/

مقالات نقدية

أنتولوجيا الابداع

هوامش الإبداع

رقصة الدجال قصة بقلم محمد مصظفاوي

قصة قصيرة..... رقصة الدجال.......
..................... بقلم الأديب محمد مصطفاوي

يناير على الأبواب...هكذا كانت نسمات البرد الخجولة الأتية من جهة الشمال تقدم فصلها هذا العام...ضوضاء تملأ الزقاق الشعبي المتداخلة انعراجاته و التواءاته الراكن خارج محيط المدينة الكبرى.......و في أقصى الزقاق كان يتسلل وجه الرجل من كوة الباب الضيق.كوة يتعذر لصاحبها الرؤية بصفة جيدة..كان قد أراد لها أن تكون في مستوى حجم الرأس التي أشتعلت شيبا...أو ربما تكون الدقات الخفبقة التي توالت غلى الباب الخشبي العتيق نصف المتهالك هي التي زرعت قيه شيئا من الحذر المريب بسبب انقطاع زواره في سنواته الأخيرة.....فبدا ذاك الحذر يأخذ تركيبة صعبة لرجل يقف على بركان من الخوف.......الخوف من شيء ما ؟؟؟؟؟

و حملق في وجه الطارق على الباب مليا كأنه يفحصه..لحظات و رسم على امتداد تقاسيم وجهه ايتسامة باردة توحي بقليل من الاطمئنان.....كان في مواجهته يتأبط حزمة من أوراق بريدية...مد له يده للمصافحة ثم تسلم الظرف الأصفر الكبير...ضغط عليه بين أصابعه و خاطبه.....شكرا...سيدي.......... ودع زائره عند العتبة و شعور خفي من الحيرة يتسع و يتسع..تكاد خطواته الثقيلة تنتزعه من وقاره و هو بسابقها ليكشف فحوى ما في الظرف.....وصل الى غرفة مكتبه....ألقى بثقله على الأريكة.....أستعان بالنظارة...شق الظرف بسرعة......أندست اليد المتجعدة في أنحائه...و أخرج الورقة.......بسطها أمامه....و قرأ........يشرف اتحاد الكتاب أن تدعوكم لحضور حفل التكريم المخصص لكم عرفانا للأعمال الجليلة التي قدمت من طرفكم كرمز ثقافي..في البلد....و تقديرا لمساركم الأدبي.......و الحفل سيقام بقصر الثقافة......ال.يوم....هذا المساء.......على الساعة........توقيع ..رئيس الاتحاد............... كان رجل العقد الستيني يقرأ الورقة...و يعيد ما قرأه مرات و مرات......كانت القراءة لديه تتحول الى ما يشبه ايقاعات صوتية مبحوحة تفسر حالته القصوى من الفرح......أقصى حالات الفرح البشري و الانتشاء........؟؟؟؟ تنهدات عميقة و كأنها كانت مؤجلة و قدر لها أن تنزل الان دفعة واحدة...و تمتم........أه.....يا زمن.....أنك تعيدني الى حيوية الماضي.....مازالت في الدنيا بذرة الخير و العرفان.....طالما عشت مهمشا و عانيت عذابات الاقصاء في هذا البلد........؟؟؟؟؟؟

أتجه صوب الدولاب..مرر بده ناحية بذلة أنيقة كانت معلقة بعناية...حملها معه الى مكان ما في الغرفة...ثم ظهر بعد ذلك و هو يعتدل في وقفته أمام المراة...و المنديل الأبيض يطل نصفه الأعلى من جيب البذلة الأفقي......هالة من الكبرياء تحاصره.....و لم يشعر الا و الجسد المترهل يتوثب حلقات حلقات....في فضاء العرفة....مدندنا بمقاطع من أغنية تراثية قديمة...بقي من الزمن ساعات معدودة عن الحفل.في قصر الثقافة.......أنتبه لنفسه....أغلق غرفته...مشى.....فخرج الى الزقاق الشعبي.....و ضوضاء المكان..وجوه البسطاء تتسع له بالتحية و أيدي ترتفع له احتراما ...حميمية قديمة تربطه بالبساطة و بهؤلاء...أستمر في السير.....ناحية شارع طويل يختصر المسافة الفاصلة للمدينة...هو الان في المكان الهدف....هذا وسطها....و هذا صخبها المعتاد.......أخذ رصيف المشاة....قطرات من المطر بدأت التو في النزول....في انحناءة خطف نظرة من الساعة..الزمن ما زال رحبا على كل حال.فأطمأن....تحسست اليد الظرف...أنه في مكانه....قطع السير المستقيم و عرج الى مكتبة ....ألتقط جريدة من كزمة الجرائد المعروضة أمامه...أنطلقت اليد تقلب الصفحات...ركز نظره الى الصفحات الأخيرة....ثقافة......و راح يتفرس العناوين و الأعمدة...لا شيء يغري.....؟؟؟؟ أستدرك الموقف و عاد الى واجهتها ليتأكد من تاريخها..هي نعم......و لا سطور ذكرت عن حفل قصر الثقافة.....أعاد الجريدة الى موضعها...و سأل البائع في شبه سذاجة.....من فضلك و لو سمحت لم يكتبوا شيئا عن حفل قصر الثقافة...؟؟؟؟؟؟؟؟ رد عليه الشاب اه.......قصر الثقافة...سأكون هناك....هم أعلنوا عن ذلك في اشهارات التلفزيون. أمس......؟؟؟؟؟؟؟؟؟........مثل من يزيح جبالا من قلق من على صدره......تنفس الصعداء...و طبع ابسامة عريضة على وجهه...مضى خارج المكتبة.....قطرات المطر تسارعت هذه المرة...تسمر في مكانه.....ليبحث عن الحل......كيف ؟؟؟؟؟؟هو لا غير......أن يأخذ بسرعة حافة حتى لا يصل مبللا الى القصر....أختار وجهة المحطة...لم تكن بعيدة عنه.....هناك حين أقترب..شاهد الزحام الفوضوي للناس....توقفت واحدة أمامهم....انها هي الاخرى مشحونة مثل علبة سردين....ثانية....ثالثة...ثم رابعة...تتوقف.....اكتظاظ و فوضى و لا شيئ.....المطر ينزل بقوة....رعود تصل تباعا....الكل يحشر نفسه تحت سقف المحطة.....يحشر نفسه معهم....يحاول أن ينتفض من الحالة الصعبة....ليتخلص من الأجساد المتراصة...يخرج من الوضع...الى الرصبف....و هو بشير بيده الى العربات السريعة التي لا تأبه به....و لا تراه......لا أحد يتوقف...لم يبق أمامه الا الخيار الأخير.....الصعب..و المدهش و الغريب.....فلينهب الأرض نهبا و ليسقط كل الشتاء.....المهم أن يصل.في موعده...و ركض ارجل الراكضة سنواته الى مشارف الشيخوخة و كأن به لم يركض من قبل ؟؟؟؟؟في صورة كاريكاتورية بائسة....لا يتوقف فيها الا ليسترد أنفاسا قليلة.... ثم يستمر في عملية الركض الغريب.....ها هو قد وصل اخيرا...نعم وصل الغريب......و أمامه المبنى الفخم...و قرأ الحروق الكبرى المضيئة......قصر الثقافة.........طوابق لم يعد يتذكر عددها..تقدم بخطوات ثابتة و الرجل كله مطر.....صعد السلالم الاسمنتية...و قبل أن ينتصفها....لفتت انتباهه لافتة معلقة على الجدار........كتب عليها......الملتقى العاشر لأغنية الراي............؟؟؟؟؟؟؟؟ ما هذا.....عض على شفتيه......رعشة مباغتة بدأت تسري في أنحاء الجسد.....تقدم....وصل الى الباب الكبير..كان نصف مفتوح.......و دخل القاعة......توغل فيها أكثر......شبئ مثل الفوضى...مثل اهتزاز الأرض....شاهد الرجل منضة طويلة و عريضة مرتفعة عن مستوى الأرض.....و تحت الأضواء الحمراء تلك الكتل البشرية تهتز يمينا و شمالا على ايقاع الرقص و الغناء المجنون....و صوت يخرج من وسط الزعيف....يغني...كاين ربي...كاين ربي..... ..؟؟؟؟؟؟؟ الجمهور هنا يشكل حلقات حولها يتمايل....كانت ذروة التصعيد حين دخل الضيف الغريب....فأختلطتخواصر الراقصات بالراقصين...و غرقت كل القاعة في الفوضى..منتهى الفوضى.....

بهت الرجل و هو برى المشهد الاخير أمامه...تذكر أمسيته الماطرة....و الركض و سنوات التهميش السوداء الطويلة....فلم يتمالك نفسه.....و دون أن يشعر...غرق معهم في ايقاع الرقص المجنون.......؟؟؟؟؟و نوبات ضحك هستيري يطلقها بين الحين و الاخر...فجأة تعب الجسد المترهل حتى وقع أرضا جثة هامدة و فوقه الأجساد تتمايل و تتمايل..........لا أحد.....كان بمقدوره أن يوقف الرقص هذا المساء في قصر الثقافة.....و الرجل ميت ...ميت...؟؟؟؟؟؟...و المطر ...توقف....نسبيا..عن النزول......يبدو ..ذلك....من نوافذ القصر......