برقية مهربة إلى صديقي في دار الصحافة بقلم محمد مصطفاوي
برقية مهربة إلى صديقي في دار الصحافة
يا صديقي .......صرات .......غريبا
أنت كنت من قبل هدا الوقت على سبيل المحبة و تدرك جيدا قيمة ما أحمله لك من رسائل الوضوح في القلب....و معاني الشفافية الطليقة في الروح ؟؟؟ و أعرف أن طريقة الكتابة اليك بهدا الشكل تهزمك....نعم تهزمك....و لا ترغب فيها...فرغبت أنا اخر اصدقائك من ما بقي في اخر العنقود......أن أكسر القاعدة و أختار لك شكل التهريب و أنا أكاتبك .....من يقيني أن كل شيئ في البلد صار أرضا للتهريب...و أماكن مفتوحة على القرصنة ؟؟؟ بما فيها ما نخفي تحت معاطفنا من مشاعرنا الباردة...
حتى و ان كنت أنت انهزاميا و أنت تقرؤها ....لم يعد الأمر على قدر من الأهمية....و لم تعد تملك ذلك العقل الذي كان يصعد بنا حلما الى شرفات الحقيقة......و ايضا قلبك....أتفهم الان قلبك كيف صار ؟؟؟؟ بعد أن كان يهتز لصور الأوجاع حيث كانت.....اه...من وجعي فيك كم أضحى شاهقاااا ؟؟؟
ألست أنت من كان يجالسني في ركن قصي في مقهى شعبي وسط المدينة.....تنفث دخان سيجارتك في هواء الصخب...و تخاطبني.....بعبارتك التي مازلت أذكرها حتى الان....مثل الجرس بقيت عندي ما كنت تقول...تدق أحزاني في ضياع رفقتك...........هي كلمتك أكتبها لك الان....اننا سنكافح لأجل الزوايا المضيئة في هذا الوطن لنقتل بجمالياتها عتمة الأمكنة التي تكاثرت .......؟؟؟؟
كم صرت غريبااااا ؟؟؟؟؟ لم أكن أتوقع اطلاقا قبل سفرك الى العاصمة و أنت تجمع حقائبك...أن حديث كفاح القلم و صراعات قيم الخير و الانسانية و معركة حق المعركة و التنوير و حرية الكتابة......كل هده الأشياء الكبيرة لن تنتصر لها ...بل ستدهب الى أقصى الأماكن توحشا في الانسان.....و لا تنتصر لأنساينتك.....؟؟؟؟ كان يجب أن ألقاك انسانا يختلف.....الى البهاء.....فتحولت الى فرنكشتاين......الة باردة تقتل الانسان داخلك ؟؟؟؟؟....لم تعد ذالك الولد الشقي بزمنه و الذي صوره لنا الكاتب الساخر محمود السعدني في كتابه عن محنة الصحافة التي عاشهاااا حيث الحال البائسة المزدحمة بالشقاءات الانسانية و كفاح القلم المر لأجل أن يقف على أرض ترفع افقه و تصنع اسمه من غير أن يلطخه الوحل....و لكنه أنتصر......؟؟؟
أنت.....يا صديقي...الغريب....و الذي كنت أراه...غير هذا الذي أراه الان ؟؟؟؟ ...خنت نفسك....خنت مرحلتك......و غرست سكينااااا في ظهر الحقيقة....التي طالما تغنيت بها...خنت عقلك.....و وجدانك.....أراك ساقطااا كبطل رواية نجيب محفوظ.....اللص و الكلاب........الصحفي المثقف الانتهازي و الذي كان فقط يقدم دروسا في الشرف و الوطنية و النزاهة.....ثم أنقلب على صاحبه..و كفر بأفكاره.....و باع قيمه.....و سقط ؟؟؟؟؟؟
في اخر اتصالك بي....أبلغتني و الفرح لا يسعك أنك صرت مديراااا للجريدة التي كنت تشتغل بها سنوات طوال.....أنا غبطت...سعدت لك.....أنت تعرف مقدار هذه المحبة...أبهجني الخبر....و قلت في نفسي أنك ستذهب بعيدا....و سيكون باستطاعتك أن ترفع صوتك جيداااا من الان...و تحول جريدتك الناجحة الى صوت قوي لمن لا صوت لهم......و منبرااا للناس التي تشبه ناس قريتك الطيبة......و صور حياتهم الكئيبة........
و....لكنك.....أنت.....لم تركض في أرضهم....نسيت الأرض...و تنكرت لرائحتها.....و حليبها الصافي.......مشيت في غير هذه الأرض لما صعدت بك الدنيااااا....عدت غريبا ...كبرت بطنك...توسع جشعك....طالت مخالبك.....و أنتفخت مثلهم يا صديقي......الى حد السخرية ؟؟؟؟؟؟؟ و قد كنت من قبل تسخر بهم......و تدين سلوكاتهم........لست أنا وحدي من يراك في هدا المشهد الكاريكاتوري البشع.......كل من في قريتك القديمة......لا يتنفسك......لا يزفرك.......لا يراك........أنا صديقك....و اخر ما تبقى لك من اصدقاء.......على الأقل.....جلست و كتبت لك برقية مهربة.....اكرامااااا للملح الذي كان ؟؟؟؟؟؟؟
بقلم محمد مصطفاوي