الشاعرة اللبنانية فلورا قازان نبوءة المطر في لقاء مع مجلة هوامش الثقافية حاورها الشاعر عزوز عقيل
حوار مع الشاعرة اللبنانية فلورا قازان
حاورها الشاعر عزوز عقيل
حينما تصبح لزخات المطر نبوءات قادمة بفرح طفولي شهي تأتي معه القصائد ماطرة
على قلبن منعشة كزخات متدفقة على شغاف القلب فتنحني في ثنياه انبهارت العشق
الأنثوي كهذا فتأتيك الشاعرة الرهيفة الرقيقة متأبطة حروفها لتنسج بها قصائد الحب
والاشتهاء متوجة بشذى الروح والياسمين فتطل من نوافذا القلب المشرعة ملوحة
بشهقات غجرية لتزرع غوايتها بعد منتصف الليل موشحة إياهم بالجمال الرهيب تحت
جدائل المطر لتأتي الكثير من القصائد في أبهى وأرق صورة مدهشة دون أن أطيل إليكم
نبوءات المطر الشاعرة الفاتنة فلورا قازان
س1 ــ بداية كيف تقدمين نفسك للقارئ الجزائري؟
ما زلت لا أعرفني سوى طفلة عينها على الشمس والقمر والمطر أسرق منهم
قطعة حلوى ترشو الأمل.
قطعة حلوى ترشو الأمل.
طفلة دينامية الحواس..إمراة صوفية المشاعر..عجوز تغزل أنشودة على ثغر
القمر..تتوضأ بماء الدمع، بثوب الألم العتيق..تقيم صلاتها على أرض المقاومة،
تمرغ وجهها فخراً في تراب الجنوب اللبناني ..وتغتسل بشلال الحياة كما شلال
جزين.
وردة متعطشة للحياة، يقولون إسمي فلوريدا شذّبته الطفولة إلى فلورا.
اللقب انتصر على الاسم عند موطىء قدم عظماء الأدب والفكر أمثال الخالد
جبران خليل جبران , وميخائيل نعيمة , والياس أبو شبكة، والأخطل الصغير،
وأمين الريحاني.
أمّ لثلاثة أولاد، وعملي مرهون بكل ما يتسمّ بالفن والرقيّ والجمال ..
مهندسة ديكور.
س2 ـ لبنان بلد الشعر والجمال كيف أثر هذا في شعر فلورا؟
لبنان بطبيعته الساحرة الخلابة، وفصوله المتنوّعة المزدهرة بمواسم الألون، تعكس جمالية على روح الشاعر تثري خياله، وتشبع إلهامه، فتتفجر قصائده كينبوع ماءٍ زلال من أعلى قمم جبال الأرز وتأتي يانعة بثمارها الشهية ونضرة كسنابل الشمس.
س3 ـ ماذا قدمت فلورا من خلال هذه المسيرة الأدبية إلى الشعر وماذا قدم لها الشعر؟
أعتبر الثقافة والادب رسالة إنسانية والشعر فضائي. لذا فإن مسيرتي الأدبية تقف على أول درجة من السلم ولا زال لديّ الكثير لأقدمه .. للعبور من الظل إلى الضوء، من الخوف إلى المواجهة، من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، من الانغلاق إلى الانفتاح، من الجهل إلى المعرفة، من الحقد إلى المحبة، من الموت إلى الحياة، لأنني أؤمن بأحقية الإنسانية، وثقافة العيش المشترك بين جميع البشر والأديان، أزرع مع كل قصيدة ابتسامة على شفاه الحياة، وأمسح دمعة عن خدّ اليأس. وبتوفيق من الله صدر لي حتى الآن عن دار الكلمة والنغم في مصر ثلاثة دواوين:
أول ديوان لي صدر بعنوان (شهقات غجرية)، ومن قصائده:
على مساقطِ الزبد
تروي مجرى النهر،
كلّما فاضت أناجيلُ الغرق
جدائلُ المطرِ وتمائمُ الأريج
سَأُتَجَوَّلُ غَيْمَةً
غَيْمَةٌ
أُوقِظُ الأصدافَ مِنْ غَفْوَتِهَا
لعلّني بِحَدائِقِ الْعَيْنِ أَلَقَاكَ
لأنك *
أوَّلَ مِنْ صَنْعَ أحْلاَمِي عِقْدَاً لِنَورَسِ الْحُبِّ أَنْتَ
أَوَّلَ مِنْ نَقْشَ عَلَى كَفِّي نُبُوءَاتِ الْحَرْفِ أَنْتَ
أَوَّلَ مِنْ جَعَلَ مِنْ قَصِيدِي زغرودة نَبِيذٍ أَنْتَ
النُّبُوءةُ أَنْتَ
الْمَطَرُ أَنْتَ
الْغَوايَةُ أَنْتَ
النَّبِيذُ أَنْتَ
السَّمَرُ أَنْتَ
وَهَوَسُ شَرْقِيُّ فَضَّ بَكارَةَ شِفَاهِيَ أَنْتَ
الذُّ عَاشِقُ فَتْحَ للرّغبة ثَقْبًاً فِي رئتي أَنْتَ
شَغَفُي جُنُونِيِ وَثَوْرَةِ جُيوشِ لَهِفَتِي أَنْتَ
وأنفاسُ الْحَيَاة أَنْتَ
فَأَيُّ أَنْتَ أَنْتَ
وَأَخْبِرِنَّي مِنْ أَنَا !؟
كَيْ لَا يُضِيعَ صَوْتُي فِي صَحْرَاءِ قَاحِلَةٍ !!
والديوان الثاني (زائرة بعد منتصف الغواية)، ومنه:
هَلْ ما زلتَ تَذْكُر تَارِيخَ مِيلاَدِ أَوَّلَ قُبَلَتَنَا الْخَجُول
أَمْ إِنَّ لَحْظَاتِنَا الْجَمِيلَةِ مَاتَتْ مَعَ صَمْتِكَ الْمَجْهُول
هَلْ مَا زِلْتَ كَبَحْرٍ يُرْكِضُ موَجَّه فِي صَدْرِ أُنْثَى اللّاَزَوَرْدِ !؟
أَمْ إِنَّه ألقانا مِنْ فَاه الْغَرِقَ عَلَى شواطىء اللَّوْعَةَ كَالْعَذُولِ
أما ما قدَّم لي الشعر فكثير، كثير من المحبّة، وكثير من الورود العطرة التي تحييني، وأحياناً أيضاً الكثير من المجاملة التي أفضّل تجنبها حتى لا تحاصرني وتخنق التلقائية في الشعر.
تَنْتَصبُ المسافة،
تَنْتَصبُ المسافة،
وقحةٌ كالموت،
نُهَرْولُ على ضِفاف الأمل،
نَستَهلِكُ خيبات الإنسانية،
في عُقم زمانٍ مُرهَق بالنسيان،
ونعود لنهرب من بئر الضجر،
نختبئ في عمق حقيقة كاذبة،
نَدفِنُ أمانينا ونحيا في الوهَم.
س4 ـ نعيش زمن التطور التكنولوجي هل ساهمت التكنولوجيا في تطور الأدب، أم أن هذا أثَّر سلباً على المنتوج الأدبي؟
نعم وبشدّة، لقد ساهمَ هذا التطور التكنولوجي في تطور الأدب؛ إذ حقَّق للجميع فرص التواصل الاجتماعي والأدبي، ومنحتنا هذه الثورة المعلوماتية المزيد من المساحات للتعرف على ثقافات مختلفة وحضارات متعددة، كما منحتنا إمكانات التلقّي بسهولة أكثر ومن دون عوائق جغرافية أو سياسية أو عقائدية أو اجتماعية. وقد أفاد هذا التطور المعلوماتي والرقمي الأدب كثيراً، فظهر الكثير من الشعراء والشاعرات الذين كانوا حبراً في طيّ ورق. نعم أنا مع هذه الظاهرة العلمية والأدبيّة الرائعة، التي لا يمكن أن نصفها بأنها نقمة على الإنسان إذا كان ناضجاً أخلاقياً ويدرك أين يضع علامات الفصل والوقف، دون تجريم تلك النعمة بأحرف العلّة ..لا يمكننا العودة إلى الوراء، فنحن في عصر التكنولوجيا المعلوماتية التي اجتاحت كل قيود الزمان.
س5ـ يشير الكثير من النقاد إلى أننا في زمن الرواية، ويبررون ذلك باتجاه الكثير من الشعراء إلى العمل الروائي. هل نحن فعلا في زمن الرواية، وماذا أضافت هذه مقارنة بالكتابة الشعرية ؟
لا يمكننا أن نجزم بذلك، فنحن في عصر يعيش التعددية الثقافية والتنوّع أساس الأدب والفنّ والثقافة، لكن يمكن القول بأن الرواية أخذت الحيّز الأكبر من الاهتمام وتقدَّمت شيئاً ما على فن الشعر وفنون النثر. ويعود ذلك إلى قدرتها على التغلغل في تفاصيل الحياة التي يبحث عنها القارئ في زمننا لأنها تشفي غليله من معاناة يعيشها في غربة وطن (إنْ كانت إجتماعية أم وطنية)، وخصوصاً مع التطورات التي تحصل مع هجعة ما يسمّى الربيع العربي والمخزون الفكري لدي الشاعر الذي أضحى ثريّاً مع التقاط الصور الإنسانية على أرض الواقع .. وفي رأيي أن ما تقوله رواية عبر مئتين صفحة يمكن للقصيدة أن تقوله بصفحة من عشر أبيات، لكن يظلّ لكل نوع أدبي ذائقة وجمهور خاص به، ولنترك للقارىء حرية الاختيار، فالمسألة مرتبطة بالمتلقي والجودة الفنية للعمل الأدبي.
س 6 ـ هل تستطيع القصيدة أن تترجم أحاسيس إمرأة شاعرة، وكيف تتعامل الشاعرة فلورا مع هذه الأحاسيس إن عجزت القصيدة على ترجمتها ؟
هل يستطيع الشاعر أن يكتب خارجاً عن أحاسيسه؟ بيني وبين الأحاسيس في عالمي الشِّعري علاقة وطيدة كعلاقة الأرض بالمطر، كعلاقة الأم بجنينها، كعلاقة الورد بالعطر، كعلاقة الدم بالشرايين والأوردة .. إلخ. فهذه الأحاسيس هي الأقدر على ترجمة عواطف الحب، الفرح ، الأمل، الحلم، الألم، والإنسانية، وهي المؤتمنة على أشواق الحرية في زمان الانغلاق والتعصب والخراب والاختناق، الشوق للإنسانية المغتالة وللأرض المسروقة، ثم إن الأحاسيس هي الوجع والغضب على هذا الكم الهائل من الموت بسبب الاختلافات الطائفية والعرقية وكل اختلاف يلغي إنسانية الإنسان ويهمش كينونته التي أرادها له الخالق عزّ وجلّ.

عبثاً، أحتاجُ حنجرةً زجاجية،
أرى من خلالها ركن الدهشة،
في صحراء المشاعر،
وأنا أرقب ملامح الوجع،
في منفى الأجوبةِ المختبئة،
وراء تساؤلات ذاكرة،
لا تنفي غربة الوطن.
س7 ــ هل تعامل النقد مع قصائد فلورا، وكيف تنظرين إلى الحركة النقدية في لبنان وفي العالم العربي ؟
نعم لقد تعامل النقد مع قصائدي ولكن بشكل ضئيل، فكانت هناك قراءات لبعض النقّاد، وهناك أيضاً آراء نقدية لأصدقاء من الأدباء والشعراء. ولست بحاجة إلى تأكيد أهمية النقد البناء، فهذا أهمّ ما يطلبه الشاعر والكاتب. لكن للأسف نحن نفتقد لنظرية عربية في النقد الأدبي، على الرغم من وجود الكثير من النقاد. لكن أتمنى أن تستيقظ الجهود النقدية لتواكب مسيرة الأقلام الواعدة والجديدة التي ستشكِّل المستقبل الأدبي.
رَشَقَ نافِذَتي
________
رَشَقَ نافِذَتي بعدَ مُنْتَصَفِ الخيبةِ
وسأَلَني مَنْ أنتِ ؟
! أنا الموجوعُ المَنفيُّ
أُريدُ أنْ أتَفَقَدَ دَهْشَتي
قبلَ أنْ تُزهرَ مأسآتي
وتموتَ دونَ شهاداتٍ قصائديْ
نَزَفَتْ الدَّمعةُ على خدِّ الوَرَق،
وَرَسَمَتْ لَهُ الجوابَ
لسانيْ كوكبٌ يُضِيءُ
يَحرِقُ ولا يرمَد ،
يُطْعِمُ ولا يُسَمِّم
لستُ بشاعرةٍ
ولا بأديبةٍ ولا بِكاتبةٍ
مرآتُها مكسورةٌ
وشظاياها تعبَثُ بالرّوحِ
طفلةٌ تَتَنَفَسُ الشعورَ
وتُمْطِرُ الحروفَ
تُشاغِبُ الغيمَ
ولا تُرافِقُ الضيْمَ
تائهةٌ عن وزنِ الشعراءِ
شاردةٌ عن متاهاتِ الألقابِ
السماءُ ورقتي البيضاءُ
ودموعيْ تروي أقلامَ الوفاءِ
لستُ كما ينعتوني
بملكةِ الورودِ
والعطورِ والحروفْ
بل ناسِكة
تعشَقُ عينَ النورِ
لا لستُ أميرةَ السماءِ
ولا غانيةَ المساءِ
لستُ سليلةَ العظماءِ
ولا غَريبةً عن الأنبياءِ
ولستُ أبداً ابداً
حوريةَ البحرِ
لكنْ
من كفِّ الصدقِ
أُهدِيِهِ الإعصارْ
فلورا قازان
س8 ـ يشتكي الكثير من المبدعين من قلة المقرؤية. فهل هذا يشكل إشكالية لك، وكيف تتعاملين مع قرائك؟
بالعكس كل شاعر وكاتب له جمهوره الخاص، ولا أعتقد بأن هناك مشكلة في التفاعل ما بين الشاعر والقارىء ما دام الإنتاج الأدبي يجد قبولاً لدى المتلقّي. وبالنسبة لي أتعامل مع قرائي بروح الصداقة والصدق، ولا شيء غير الصدق، فهو المفتاح الوحيد لباب الشعور في إيصال النغم الشعريّ برقّة وحماسةٍ الى القلوب!
س 9 ــ هل يمكن للبنان أن يصنع لنا من جديد شعراء كالذين عرفناهم في عصره الذهبي؟
بلا شك، فالحياة مستمرة ولبنان بلد الحضارة والثقافة والعلم، وستبقى ينابيعه الوفيرة تهدينا الكثير من العظماء وسيشهد الآتي على ذلك كما شهد الزمان والتاريخ في الماضي.
ولا يغيب عن بالنا بأن العظماء في الوطن العربي ككل لا يكرَّمون إلا حين يُكفَّنون، كأن هذا أصبح تقليداً تراثياً عربيّاً، لكن ومع ذلك لن تنضب الأقدار من العظماء.
ماهي أهم مشاريع فلورا ونحن في انتظار قدوم عام جديد ؟
أهم مشاريعي ديوان جديد ما زال قيد الطبع، مؤلَّف من سبعين قصيدة ولم اختر عنواناً له بعد. أعتقد سأقلده إسمي ( فلورا قارورة عطر )
ماهي أهم أمنياتك في العام الجديد ؟
السلام، ثم السلام، ثم السلام لنصون أمانة الله في كرامة الإنسان.
كلمة للقارئ الجزائري ؟
شكراً لمحبتكم وأتمنى أن تكون السنة الجديدة القادمة مليئة بالخيرات والمسرات، وأن تأتي على قدر أمانيكم وطموحاتكم، ومنّي لكل قارىء زنبقة بيضاء قطفتها من حديقة محبتي، ولكم كل الاحترام والتقدير. وأسمى التحايا لك أستاذ عزوز عقيل على هذا الحوار الذي سعدت فيه بالإجابة على أسئلة وقضايا أدبية مطروحة على الساحة، وأرجو أن أكون قد ساهمت في استجلاء ملامحها.
شكرا لمجلة هوامش وطاقمها على الحوار وشكرا للشاعرة فلورا على الكلمات الجميلة والحوار الشيق