/

مقالات نقدية

أنتولوجيا الابداع

هوامش الإبداع

أوشام مــاري على جداريـة جبــران نص مزدوج بين الشعر والنثر للرائعين الشاعر عبد المطلب عريب والمبدعة سميرة بولمية













 نص مزدوج بين الشعر والنثر للرائعين
الشاعر عبد المطلب عريب والمبدعة سميرة بولمية
أوشام مــاري على جداريـة جبــران
هـَذيْ الحبيبةُ لمْ تكـنْ تهوَاكَا...فلـمَ اتخذت إلى العتاب مـداكا.؟
ولِمَ اهتديتَ الى الضلالَـة عاشقًـا...أظننتَ نفسَـكَ نَاسِكًـا ومَلاكـَـا..؟
هََذيْ الأميـرةُ..والجميلةُ..لي أنَـا...قالـتْ أحُبّـكَ...يَـا أنَــا أهوَاكا
قالتْ أحبّـُك ..والقصائدُ ليْ أنـا...مَنْ يَـا تُرى فيْ العالميـنَ سِــوَاكا.؟
قالتْ ّأحُبّكَ والجنُونُ..ودَمعَـتي...رَسمـَتْ عَلى وطـنِ الوفَـاء وفاكَـا
بَاحـتْ بحُبّ عبقريّ..سَاقنــيْ...نحـوَ المـــدَى..لألامِـسَ الأفـلاكَا
أدمَنـتُ حُبّك فاستباحَ دواخلــيْ...ومَلئتُ كأسِيّ منْ رَحيـق شذاكَـا
حلّقتَ كالأطيار فَـــوقَ مدائنِـي... أسلمـتَ للقمـرِ البديْـع ضيَـــاكَا
سافـرت َحيث ُالنور يرسلُ جنّة..حيـثُ الفضيلة والنـدَى يَر عاكا
أوشام ُماري هَا نقشتهَا..موعدًا..وحفرت ُعشقيّ من جنونِ صفاكـَــا
كفكفْ دُموعَك يا خليلُ عنِ الهوَى...إنّـيْ كَفرتُ مشاعريْ..وهـَـوَاكَا
هَـذا العَريْبُ..البُّرجَــوّيُ..أحبّنِي...مَا عُدتُ أعشقُ يَا عَريبُ سِواكَا
أسلمـتَ قلبيّ للمحبّةِ...والوفَــا...عَطّـرتُ مِــنْ عَبقِ الصَفاءِ سَمَاكا
جُبـرانُ يَا حِبّ النوارسِ يَا..أنـَا...أنّـي نقشتُ عَلى الكُهُوفِ هَواكا
مَاريْ..وطيـرُ الحبّ يصدَحُ في دَمي..أعشقـتِ جبرانَ هُنـا وهنَــاكا.؟
يا مُهجـةَ القلبِ النديَّـة يَـا..أنا...أقسمـــتُ أنّـيّ لنْ أُحِـبّ سِوَاكَا
هلْ يقبـسُ التاريخ يشهد ُثورتـي...ويـردّدُ التاريـخُ..مَــا أحلاكـا؟
الحبُّ والنـورُ..والنوارسُ والمدَى...رسمتْ عَلى جَسدِ الجَمَالِ رُؤاكا
ورسمتُنِي والبحرُ يمشط خصلتِـي...ويُداعـــبُ الأمْــوَاجَ فـيْ مرآكـا
يَا فارسَ البحرِ الموارب فيْ..أنا..كيفَ الهـروبُ وها هنَــا لقياكــا.؟
لَـمْ يـذِو غصنُك يَا خليـلُ..فربّما... صَادفتَ فيْ..سَعَفِ النخيـل أناكا
ابحثْ هنالِك فـي تمور..نخيلهَــا...تَجـدِ الفَـلاة..بسكْــرَة..تلقاكا
هذيْ الطيُورُ البيضُ فيْ أعماقنَـا ...تَهِـبُ الجمَال تنَاغمًــا وحِـرَاكا





(( اوشام " ماري " على جدارية " جبران " )) بجنون سميرة بولمية


كنت اتصور اني زيزفون ناعم يفوح قرب اشجار المران عند الظهيرة في حقــــــول
" هولدن لن " واني حين ساكتب عن السنابل التي لاتنحني لعواصف الخريف سيفتح " لوركا " أبواب بحاره لنوارس قلبي فأرفع الغطاء عن أسرار " قينوس " وتفاحة " نيوتن " و الوقواق الذي قسم الليل بكرياته النحاسية .. وانه سيصير من حقي التحكم في سهام الأغاني التي ستخترق خنادق الأرض المخبئة في حناجر الأبدية ..
تهدمت اسوراه التي كانت تحجب شمس الحقيقة .. لم يعد حارس رايـات القبيلة .. صار يختبىء في معابد الأسود كي لايراه نحل المدينة ولم تعد جلبة الصلاء تخيف نمل وعصافير القتيلة .. الخطيئة التي لم اقترفها جعلتني انظر جيدا في وجه الطفل النائم على تفاصيل وجه " ريتسوس " لهذا رحـت افتش في تقاسيـم مـرآة العناد عن الشبه الصغير الذي يقربني من زوايا بورتري الغريبة فشربت من كأس
" آنا اخماتوفا " .. كنت آظن انني اقلد امراة نزعت الأشواك عن ظهرها كي تنام على مسامير غير الدهر فتنكسر على صخرة صبرها كل رياح الفجيعة.. واني حين ساتعود على رائحة القهر ساصلي ليس من اجل انا وحدي لكن من اجل كل الذين كانوا معي هناك في برد بارد و تموز لاهب !.. كنت افضل " اراغون " في الصيف .. كنت احب ان اتكلم بلغة النار عن خصال الأيلنغ في جذور بحيرات الماء حتى ازرع حصى بيضاء لا تاكلها العاصفير وحتى احلم بالآلى ء المدفونة في اعماق البحار وهي تراقص عرائس المرجان التي تزيــــــــن راسهــا بأكاليـل مــن المــاس والميموزة و البنفسج .. ففي تلك الليلة التي اشعلت فيها مصباحا صغيرا تمكنت من قراءة قصيدة الضباب المعلقة على جدران وجهه الحالك و رؤية آثار دمه الساجد على رمال الهاجرة ودموع عصاه العابسة .. صعدت السلالم الطويلة على مرأى
" فرانادوا رابال " كي اختبىء في بئر كي لا اسمع عويل آلات الترومبيت الكبيرة فتحولت الى معلقة الجنون التي اسكتت جسد الوحدة الممدة فوق ثرى الظلام .. ولما وقفت لاحصد غبار الأسئلة سقطت تحت ابهامي العاجزة مرايا البحر و تراتيل السماء الثامنة فصار " صموئيـــل بيكيت " يعلم اني امضي بخطوة ثابتة دون انتظار اي احد ! .. وعندما بكيت كي يغفر لي الليلك والكبار ذنوبي التي اقترفتها حين كنت اسبح مع الغيوم في تلك المياه الشريدة كان عجوز " بابلو نيرودا " يعرف الطريق الى حجر قلبي الذي لم يعد يدرك الطريق الى مبتغى حدقة الرماد ..
عشت الدقيقة بثلاث دقائق .. والساعة الضريرة صارت بعشر ساعات و الشهر الذي ابتلع حتى خفايا الرمل صار في نظري حوت كبير لايشبه الشهر يشبه المارد المتمرد على قضبان السجون و السنة التي لم تنطق ببنت شفة غطتها تجاعيد الصمت فصارت كعجوز داست عليها عجلات قطار ضرير .. لهذا تصورت انني سآكل آخر حبات قمح العمر داخل قبو " بورخيس " على ضوء المغيب المتسلل عبر البياضة واني لن اتوقف عن التفكير في قوس قد تكون لي هدفا ؟ .
وصرت اعلم انه على طول السقوط اللامع سيف واسع لم اكن اريد ان اتخلص من اوجاع ظلي المنكسر على حافة سهم غيابه لهذا دفنت حقيبة الذكريات في صدر " بيار ايمانويل " كي اسمع انين " الشاعر في الجحيم " و اشهد عرس انتقام " أورفيوس " وهو يحاول ان يقطع أوردة النهار المربوطة الى احشائه الملطخة بالدم الأسود !!..
افترشت ريش زمان ومكان " جاك بريقير " حتى ألمح انهار الوقت وهي تمر امام قبور ذكرياتي فانسى وعوده لي قرب شجرة الرمان و وعودي له تحت ظلال شجرة الدموع التي رأته وهو يسلخ الضوء المنبعث من شرنقة الفراشة في مرجة أحلامي على مرآى أصابعنا التي كانت تعانق نرجس الأشواق في حدائق الشوق
و الحرير .. وكانت تخطر لي افكارا كبيرة وانا اقلب صفحات قلب " بول ايلوار " تحت نقاب الندى و السماء على شفتيه تحرك تباريج الجرح الذي تركت له حفنة من تراب الصبر و القليل من ماء الأمل حتى لاتفنى جذور اوجاعه و لا تعطش زهوره في أغوار السنين القاتمة .. كان دائما يذكرني بالصرخة التي حافظت على الجدار المتين ولم تتركه يفقد حجارتــه الثمينة وجعلني اتمسك اكثر بأساطير الأقحوان وبملحمة الزنابق وبالخيط الذي جعلني اقرب اليه من حبل الوريد ! .
وكنت اشعر انه لم يتبق لي الا ساعة واحدة فقط لإصلاح ما رضرضته زوابع المنفى وانه حين سيبحث عن عشــي على خريطة ذكرياته سيجدني في قصر
" ميلوس " انتظر عودته كما انتظر عودة احصنة السنوات القادمة ..
كم آمنت ان في برسيم صوته حومان عصافير تطرد هموم الجفاف لأنه دلني على " رينه شار " فتأكدت انه دون مساكة الفجر احيانا قد يتوقف القلب عن التسبيح في حضرة الحمراء الأولى .. ودون بلاسم ملائكة السماء ماكان الماء في دمي قد شفــي من عضـــة الثلــــج ولدغة الجمر ولعنة القحط و الترحال .. وماكنت قد صعدت جبل الظلام حافية القدمين حتى لن أصير مذاق الثمرة الآثمة !! ..
ولما اطفئت عواصف الحزن السراج قرب سريري منعني الخجل ان اقول له
" اناهي " ! حين سألني " اين هي " ؟ كان " طاغور" يهدهد المغيب في مهب تلك العشية وهو يرتدي معطفي الأخضر.. كان السراج قد انطفأ لهذا نمت على ركبتي الحسرة الغامقة ولم اكن اعلم انني ساستيقظ ذات ربيع على عزف كمان
" جبران " مبللة بندى الجلنار !! ..
المسافة التي انحنت لها سهام ظلمة الخوف قربتني من خفايا محرابه المعطر بصندل الصدق وبتراتيل صافات الصفاء .. و المساحة التي أهدتني تاجه المرصع بفيروزج الأمان زرعت في زهوة صفائها بذور أمنية ارجوانية فنبتت زنابق الكلام الآخر !..
رفع سماء احلامي الى سماء أشعاره فالتقينا في فسحة البوح قصيدة مزبرجة بزمرد الشوق و بعقيق اللهفة .. ونشر أشرعة بحاره فوق سفن الذاكرة فاهتدت قبرات دهاليز صمتي لنور دعاء الماء في حلق مربع الجرح ..
تنهدت ارضه في مواويل رمادي فحاولت ان احرك اوتار كينارة قلبي بانامل وردة مهربة من حدائق العمر كي اتخلص من كل تجاعيد الخريف فادركت بان لآلىء البحر قد التقت مع سنابل البرج كي تحول كل انهار الوقت الى قصة قصيرة تختصر كل جسور اللقاء فيتحول الكون الى غيمة شعر كبيرة .
تمسكنـي شجرته الوارفة من حراق ظلي .. اتمسك باجنحة شختورته الخضراء .. يقودني سحر مزاميره الى خفايا تلك المرجة الخرافية ترصع جنية البهاء جبيني الشاحب بشموعه الأرجوانية .. ينطفىء خواء الظلام ويسكت كل شيء .. تسكت حتى الدموع في عيون بحيرة البكاء ولايبقى الا صوت غناء اصابعه الممدودة الى عنق الرجاء ..
بينــه وبين المطر حكاية مبللة بعرق الرمان ، وبينه وبين العواصف برازخ من نار وجلنار ، وبينه وبين قسم السوابح قلب يرف لرؤية فراشاتي المبطنة برحيق نظراته العسلية .. مد جلول سواعده كي لاتسقط كرة الكريستال من جيب احلام
" ماري " .. تركض خلفه اسراب خمائل الصيف تحاول اللحاق بنيسم النسيم المخبىء في جيب انفاسه المعطرة بعبير الميدوزا وبرحيق كبرياء الأديلويز.
فتحت ابواب مدينتي القديمة لرعشة الزلزال و لرقصة النار و البركان حتى تفر من دهاليز وحدتي اشباح الأحزان .. دخلت خيمة صلاته المغطاة بعباءة سماء زرقاء ففرشتها بدرر بحار الجان وبخرتها بشربين الشهد و الوفاء ..
كنت اظن انه لايمكنه ان يقسم المستحيل الى شطرين .. وان اهاليل دموعي قد تغرق زمزريق افراحه المتزمل بأغصان الصبر.. وان فرسه الأبيض سيتعثر بحجر الجرح .. وان محرقة الجمر ستجعله يتراجع عن فكرة اعادة قراءة ألواح الأرجوزة القديمة ..
ولد بساحات الفتوحات وفي فمه مفتاح قلعة الشمس المحصنة برماح الف فارس .. فولد في كفه كرز مهرتي .. عبر السرداب المؤدي الى مشاعل دهشته غصت في ايمائية منمنمته .. ثلاثمائة الف سوسنة في حدائق افكاره ، وخمسمائة الف فراشة في فراديس اشعاره .. وعلى ارضه التي تحولت الى سجادتي الخضراء تجلس انهار بوحي المكسوة بدمقس الأقحوان تتامل شرفاته الصدفية اللون التي تطل على قمر بنفسجي يرتدي غابات فضية وفي يده اماني حقول سنابلي الذهبية ..
كنت اظن انه من الصعب تكسير اظافر ضباع الخوف .. وفتح باب في جدار البحر .. و الخروج من متاهة الضياع .. وتشريد أمواج الصحراء .. وردم حفر الخراب .. وغلـق كل تلــك النوافذ في وجه نواح غربان الأسى ونباح كلب الظلام ..
.. كنت اظن ان اشعة الشمس لن تدخل أبدا حقول ضفائري الطويلة وانه كلما اطفئت شمعة في بئر العمر اشعلت شمعة في دير الحزن ..
كنت اظن انني ساقلب لوحدي تراب احواض الذاكرة ، واحفر لوحدي مغارات السنين الغابرة ، واقرأ لوحدي أوراق الفجاج البعيدة ، واني سامضي لوحدي الى شتاء القفار الباردة ، واكتب لوحدي وصيتي الأخيرة ، و أضيء لوحدي قناديل الأمل لمواسم الماغنوليا و الياسمين ورعي الحمام .. واشرب لوحدي في فنجان قهوة الصباح كل تلك الأصوات الطالعة من حفيف أوراق الذكريات .. و احرك لوحدي اشرعة دورة الملح و المر و العسل في ساقية الأيام ..
آن له ان يعرف انني امسكت بفرسه الأبيض خارج اسوار قلعة الغسق وان الفرق الوحيد بينه وبين المطر .. المطر يكتب قصائده بمداد محبرة السماء وهو يكتب قصائده بمداد محبرة السناء ..
قال لي : " المسافة القريبة قد تتعبنا !!.. "
قلت له : "صار بحوزتي عقد ماس الأمان
وصار بحوزتك عقد جزيرة الخلاص .. "
واتفقنا على ان " الجود ان تعطي ما انت اشد اليه حاجة منك الى غيرك ! " ..
قال لي وهو يفرك لؤلؤ البهاء فوق مفرش الحكاية : " الفرق بينك وبين زهرة الأقحوان .. انها زهرة .. وانك زهرتان .. وانك احلى مليون سنة وعشرين عام ..))
قلت له : " ساكتبها باحرف من نــور ونار علــى أشـــــواك الجسور المستحيلة :
" حبي وشم على جدارية ملاك يدعى جبــــــران !!.. " ))
** سميرة بولمية **