قبل البدء
الثقافية على موعد مع الذكرى الثانية لتأسيسها وبالضبط ويتزامن ذلك مع المولد النبوس الشريف وبهذه المناسبة العظيمة يسعد مجلة هوامش أن تتقدم بأجمل التهاني لقرائها الكريم كما أنها تعلن عن إنشاء أنتولوجيا الإبداع كي تجمع بذلك سير كل المبدعين الجزائرين وذلك إيمانا منها بأنها ستكون دوما في خدمة الأدب والأديب وهي بهذا تطلب من كل المبدعين الجزائريين بأن يوافوها بسيرهم الذاتية وصورة فوتغرافية وهي شاكرة كل جهودكم المبذولة في خدمة الثقافة والإبداع
أرشيف المجلة
قصائد جديدة
.
بأقلامهم

أحدث المواضيع
مقالات نقدية
أنتولوجيا الابداع
هوامش الإبداع
الغيوم الآفلة قصة قصيرة بقلم قلولي بن ساعد
قصة قصيرة
قلولي بن ساعد*
كانت ليلة من ضياء في صيف رائق منعش دافق ساطعة تتفصد فيه نجوم السماء .. خلت منه الزوابع الرملية التي إعتاد عليها في مساءات قريته الهادئة الرافلة في ثوب السكينة والدعة الساحرة الشديد الهوس بها ...هذه الليلة ليست كسابقاتها من ليالي الأنس والحلول في أباريق الروح ومهج اللوعة التي في الصدور .. يجيء الآن إلى مرتع حبه ووهج الفضاء الذي أنار دنياه ...هويعلم أن مصدر وجعه ومحنة هذا القلب المنكسر " الياقوت " .. قد غادرت مع أسرتها الصغيرة إلى ضيعة أخرى من أرض الله الواسعة بحثا عن الكلأ والعشب و" الصابة " كعادة كل البدو الرحل حين يأتي اليباس على وهاد أراضيهم أو ما تبقى منها وتجف من ثمرها وخيراتها لكنه لم يخلف الموعد وجاء مثلما كان يجيء كل ليلة إليها قادما من أقاصي القرية نازلا المنحدر الصخري الذي يصل حارة الزيقم بالبساتين الجرداء التي أتي عليها زمن القحط وعبث الإنسان والإهمال ولم يبق منها إلا الإسم بعدما اشترى بعض هكتارات من فدادينها أحد المستثمرين بالدينارالرمزي وهو من وجهاء القرية وأعيانها وجعل من مالكيها مجرد أجراء عنده يلهثون وراء راتب هزيل لا يكاد يسد منافذ الجوع والطوى المستبد بهم ... معه فقط تلك القصبة التي لا تفارقه أينما توجه أورمي بصره ...خياله البعيد لازال متمسكا بها يتذكر كيف كان كل ليلة عندما يأتي إليها بكل وجعه واللوعة التي تسكن وجدانه الهش الضامر المضطرب لحظة رؤيتها فما أن ينسف على قصبته فتطلق زفيرها وإيقاعها الحزين كرسالة منه إليها أنه قد وصل وهو بانتظار مرآها الجميل فتخرج من باب كوخهم المتاخم لسواقي الماء وخريرها التي تتزود منها كل البساتين الضامئة بما يروي عطش التربة وإنضاج غلتها تجر وراءها العجل الصغير زاعمة لوالدها أنها بصدد جر العجل ليشرب قليلا من الماء ...هو في هذه الليلة وحده وليس معه سوى قصبة الناي يبثها شجونه وشكواه وهذا الألم الكبير الذي يسكنه فيجرح قلبه الضعيف المستسلم لهذا الفراغ الموحش الذي يكبر فيه ...ناجى الغيوم ..سأل خرير المياه عنها والروابي والمروج ...كانت ترد صدى صوته الجداول والسواقي وإنثيال أوراق شجر الصفصاف الممتدة بأذرعها الطويلة من أقصى العين إلى أدنى الفلوات الفسيحة المطلة على قباب الأولياء والصالحين وحدود السهوب المترامية على خط الأفق النائي المتطاول بتضاريسه وشعابه السحيقة ...راودته فكرة العودة إلى بيته عندما تقدم إلى مدخل كوخ الياقوت فوجده خاليا من ساكنيه ..تألم كثيرا ..بكى كما لم يبك أبدا في حياته ...مسح دموع عينيه بمنديل أزرق إقتطعه من قماش" روبة نايلي "* لأمه المرحومة من فساتينها الكثيرة التي تركتها له ليشم فيها رائحتها ولسبب ما لم يجد تفسيرا له تراجع عن قراره واتجه صوب هضبة ترابية غير بعيد عن مكان يسمى " ضاية التلية " يقول الراسخون في الحكاية أنه المكان الذي سقطت فيه شهيدة العشق والصبابة وهي امرأة" تلية" قدمت من وهران في مهمة طبية لتوعية النساء البدويات بضرورة تحديد النسل وترك مسافة للتباعد بين ولادة وأخرى غير أنه سرعان ما جرجرتها لوثة عشق مجنون طافح بالجوى لرجل بدوي فتخلت عن مهمتها الطبية التي جاءت من أجلها لما لم تستطع ضبط النفس الملتهبة لغواية رجل بدوي سكنتها واستبدت بها إستبدادا مؤلما وفضيعا ... أعطاها في البدء وعدا بعدم التخلي عنها والإمعان في المحافظة عليها والإرتباط بها غير أنه اصطدم برفض أبويه وسطوة شيخ القبيلة ومن يومها اختفت كل أخباره ولا أحد إلى الآن يعلم أين عاش بقية عمره وكيف سارت به الحياة بينما ظلت لأشهر قليلة محبوبته هائمة على وجهها في الفلوات البعيدة وعلى ضفاف القرية إلا أن أصيبت بالجنون أياما بعد ذلك عثر عليها أحد الرعاة مرمية في بئر سحيقة منتفخة بالماء ... أخرجها بصعوية ومشقة وقام بتبليغ فرقة الدرك الوطني التي شرع قائدها في فتح تحقيق في سبب سقوطها ووفاتها تبين له على إثرها أنه سقوط لا إرادي نتيجة الغيبوبة التي تنتابها بين الحين والآخر ثم وجه دعوة لإمام القرية لأقامة صلاة الجنازة عليها ودفنها في مربع جبانة سيدي إمحمد بن صالح ومنذ ذلك الوقت سمي المكان الذي كان مسرحا لسقوط عاشقة" تلية" جاءت من أجل مهمة طبية فسقطت في بحر العشق " بضاية التلية " خطرت بباله فكرة أن يعزف على كل الألحان الجميلة من فم قصبته التي كانت الياقوت تفضلها عندما تريد أن تنشد على مسامعه بصوتها الساحرالملتهب بعض ما تحفظه من الأغاني البدوية ثم تطبع على جبينه و شفتيه قبلة شرهة محمومة بجهد من تريد أن تستعيد كل أنفاسها الوهاجة فعل ذلك إمعانا في الخروج عن رعب الوحدة والفراغ الذي تركته فيه ومضت لحال سبيلها ....قضى الليل بأكمله يبث قصبته شكواه وأنينه ومواجعه الطافحة بالألم والحرقة والآه ولم يستفق من سكرة الحنين والوجع الذي استبد به إلا مع حلول الفجر وبزوغ ضوء النهار ....كان كل ليلة يأتي إلى أطلالها الباقية يتمدد بكامل جسده المنهك أمام "ضاية التلية " لينشد مواويله الحزينة و قد تحولت إلى إكسير يقيه من الوحدة والفراغ المحيط به وحين يشعر بشواظ المحنة واللوعة التي لا شك أنها تؤلمه وهو يقف على أطلال" مرسمه الخالي" والديار التي أفرغت من ساكنيها وخلت منها الحياة ...في أوج كل ذلك لا يملك سوى أن يردد منشدا على إيقاع قصبته " مرسم ولفي كي خلى وعلاه نجيه / / مسبوقة لأنجاد خلاتو خالي " * ... ثم لا يستفيق من شروده ومن الألم الذي يعصر قلبه الهش عصرا إلا مع انبلاج ضوء النهار فيقفل عائدا إلى بيته مفتعلا بعض الهدوء والسكينة كي لا تظهر على ملامح وجهه علامات الإنقباض والألم والبكاء خشية من استخفاف الآخرين به
والسخرية منه ومن لعنة العشق والحنين إليها ....وظل على حاله ... ذبل وجهه .... تدهوروضعه الصحي ...صار شاردا ساهيا عن الدنيا قليل الكلام لا يتناول من غذائه اليومي إلا القليل مما يبقيه على قيد الحياة والإنتظار ... ..إنتاب والده شعور حزين خشية على ابنه البكر ... طاف به كل أماكن العلاج حمله إلى الأطباء ....إلتمس لأجله بركات الأولياء والصالحين ... لقد بات واضحا أنه الآن فقط صدق نبوءة الخوني بودربالة الذي صادفه بحوش الشيخ النعاس عندما أخذه إليه وكان يجر معه تيسا أسودا أراد أن يذبحه إطعاما للمساكين والفقراء درءا عن ابنه كل علامات الحسد و" التابعة "* لقد أخبره الخوني بودربالة أن ابنه به مس من الجن وعندما كان قد يئس منه استسلم للقدر والمكتوب ..أراد نسيان أمره ....وفي مساء ذلك اليوم الخريفي الممطر لم يصدق مارأى عندما لمح في آخر الشارع ابنه باسما يحمل معه قفة مليئة بالخضر والفواكه الطازجة وقد استعاد ألقه وهيبته ..سقطت دموع الفرح من عينيه ...دخل بيته مسرعا ليزف الخبر إلى زوجته ...كان ابنه الأصغر يصرخ بأعلى صوته فرحا إيذانا بعودة كل البدو الرحل الذين غادروا مضاربهم صيفا كلهم دون استثناء ...لم يفهم المغزى من ذلك .....قامت زوجته بجره إلى فناء البيت ..أزاحت عن وجهه الحزن والحيرة وعلامات الإستفهام البادية عليه .... قصت عليه قصة المهدي والياقوت كاملة مثلما سمعتها من أفواه النساء ومن حناجر الأطفال والمغنين والدراويش تنهد طويلا.... شعر بالإرتياح والسكينة ...شوهدت الياقوت بعد أيام تتردد على محلات بيع الألبسة النسائية لتختار لنفسها أزهي الثياب وفساتين الفرح قبل موعد زفافها ....كان المهدي يراقب المشهد من بعيد بينما ليلا يتوجه كعادته إلى " ضاية التلية" ينتظرها مثلما تعود ... ينسف على قصبته ألحان الأمل والوصال الذي ظنه بعيدا عنه ... يحاول القبض علي رعشة اللقاء ليمزق آثار غيوم محنته الآفلة وتسابيح شوقه المتراكم فيه وهو الذي ما غادره طيفها أبدا حتى عندما كان ساهيا شاردا سابحا في بحر الغياب والجنون ... انهمك يحاكي إيقاع المواويل الصحراوية الشفافة التي تنساب من حنجرتها الدافئة حاملة معها كل معاني الحنين والإنكسار واللوعة ...مد بصره قليلا ...عاد إليه طيف شهيدة العشق والصبابة تلك المرأة " التلية " القادمة من وهران .. شعر بها وبمأساتها ...لأول مرة يرتعش من هول ما سمع عنها ويتحسس وجعا غائرا... كان يحلو له حين يستعيد قصتها أن يقارن بينها وبين إيزابيل إيبرهارت رغم ثقافته المحدودة ... هب الرجال والنساء ..بدأوا يتوافدون على البيت العامر بينما موائد الطعام واللحم تتصدر المشهد وسط زغاريد النساء ورقصات الدراويش والسالكين أوبتهم التي كانت تقام في طحطاحة ترابية خلف البيت الكبير وأصوات القطب الصمداني سي أحمد الأمين تخترق السمع فتستقرعميقا في وجدان القرويين مبددة الحرمان والفراغ والتيه
__________________
*البيت الشعري الوارد في النص مأخوذ من قصيدة " قمر الليل " للشاعر الشعبي عبد بن كريو
* "التابعة" يعنى بها في اللهجة الشعبية قلة الحظ وسوء الطالع
*" روبة نايلي فستان نسائي يتميز بخصوصية في التصميم والخياطة تختص به المرأة في منطقة أولاد نائل
الجلفة في 14- 04 - 2014
ــــــــــــــــــــ
منشور بقسم
هوامش القصة
عنبر وثلاثة رجال قصة بقلم محمد مصطفاوي
قصة قصيرـــــــــــــــــــ بقلم محمد مصطفاوي
الإهداء: إلى أحد شهود ومعتقل بول ڤزال PAUL GAZELLE الكولونيالي في الزمن الصعب، ثوريا عاش ومغمورا قانعا يعيش الآن.. لا أحد يتذكّره! إلى السائق رڤاص رابح...
من داخل العنبر رقم 13.. تتجلى الصورة.. مساحة في أقصى حدود الضيق.. أرضيتها ترابية في الغالب تتزاوج مع بعض بقايا الحجر الصلب المتصدع.. غرفة تكاد تكون معتمة هي هذا العنبر.. على ارتفاع من إحدى زواياها كوة صغيرة أرادوا لها أن تكون نافذة موصدة بشباك غليظ من الخارج.. ثلاثة رجال في هذا العنبر.. وأفرشة متهالكة عتيقة وصحن حديدي فارغ وإناء وخيوط دخان تتسلل إلى خارجها.
يخاطب الرجل المتلقي على ظهره على جانب الجدار رفيقيه بدون أن يلتفت إلى موضعهما:
"هم على يقين ويدركون قطعا أنّنا لن نخرج من هذا الجحيم أحياء! إذن؛ لماذا لا نفكّر في الفرار أفضل من البقاء رهائن لوحوش لا مهنة لديهم غير التعذيب ثم الموت! أوغاد، وحوش!!"
مرت لحظات معتبرة، وانتفض أحدهما من على حافة السرير المقابل من جلسته ليجيبه:
"إنها مخاطرة يا سي الشريف.. ألا تدري أننا في قلب مربع الموت.. "صحراء بول ڤزال" المترامية الأطراف تحيط بنا، وأقرب خيمة للأهالي على بعد أميال والأسلاك الشائكة والكلاب.. ثم كيف سنهرب؟ غير ممكن في الوقت الحالي..".
غير أن الرجل الآخر القريب منه قاطعه بهدوء وأعقب على حديثه بحماس ظاهر:
"يمكن ذلك، سنموت تحت التعذيب إذا ما بقينا في وضع اللاّتفكير...
بقع سوداء غير متباعدة في ظهره وعلى الصدر خطوط تبدو عميقة محفوفة، أسفل البطن كمدات من نقاط الدم المتجمد.. ثم أردف الرجل المتحمس:
"هل رأيتم؟ لم يتركوا منطقة في الصدر إلا وأحرقوها بالحديد والنار.. منذ يومين قفط سمعنا كلنا عن سجناء العنابر صيحات مدت (أربعة خاوة) تباعا، اللّه أكبر، تحيا الجزائر، أنطفأوا مثل أعواد الكبير تحت التعذيب، مثلهم سيأتي دورنا،"سي الشريف" خطّط للهروب، الثورة في حاجة إلينا ولا نخاف الموت، ولكن لا نريده تحت نعالهم القذرة!".
من لحظة أن فاجأهم بالفكرة، مكث "سي الشريف" صامتا.. لم يهتز الجسد.. ظل رأسه مسنودا للجدار.. يحدق بعينين لامعتين في سقف الغرفة المعتمة الباردة، وظن من كان معه أنه شارد الذهن.. لم يستهلكه الصمت طويلا، زفر بعمق وكعادته تحدث بصوت رزين غطّته نبرة تحدي:
"سأخطط.. في ذهني تدور خطة مذهلة للفرار! لا نستهين بالورق، سيكشفوننا، الخطة ستبقى في رؤوسنا.. في الغد سأفصح لكما عنها..".
وكأنّا لحظة انعتاق كبرى تعبر زمن متاهة العنبر، سيل دافق ينزل على أرض أنهكها العطش.. سارع الرجلان إلى ناحية رفيقهما "سي الشريف" هو الآخر تأهّب للوقوف لاحتضانهما لما شعر بذلك غير أنه تثقال، لم يستطع من ضراوة الآلام في ظهره.. اقتربنا منه أكثر، تلاقت الأيدي متشابكة في عناق ومصافحات طافحة.
من بعيد.. كانت تبدو "الجهة الشمالية" والمعزولة خلف الهضبة السهبية، قرية عامرة بأهلها.. فعلا حي تبدو هكذا.. حركة دائمة وضجيج تحدثه الشاحنات العسكرية، فقط غدو ورواح وزعيق يصدر من الجنود يطغى على المكان.. تفتح (القرية المعتقل) مداخلها لضيوف جدد جيء بهم من أمكنة شتى.. رجال ينزلون مقيدين من مؤخرة الشاحنات يتلقون الضرب مع صراخ اللعنات.. على امتداد المساحة الصحراوية الشاسعة يتراءى لك طابورا طويلا من هؤلاء، سرعان ما يتوقف عن السير كما تصدر عن العساكر حركات بأيديهم ثم الأصوات الصارخة تطبق الأفق "قفوا" يتوقف الطابور أمام خيمة بيضاء كبيرة منصوبة في طرف صحي من الساحة، يتبيّن منها أنها مكتب حاكم إدارة المعتقل.. بعد حين يتراءى لك مشهد الخروج الجماعي لهؤلاء من باب الخيمة المكشوف وهم يحملون ألبستهم الجديدةعلى ظهرها تبثت أرقاما تشير إلى جغرافيا العنابر التي سوف يستوطنونها!
أمر العساكر الذين كانوا يحرصون البوابة الخارجية للمعتقل السائق أن يتقدم، اقترب سائق الشاحنة ناحيتهم وأبطأ وتيرة الحركة على الأرض الصحراوية المغطاة بالحشائش والحلفاء نهبا، أمام مكتب المعتقل توقفت.. نزل السائق، تحدث معه ثلة من الجنود.. ثم انصرف إلى جهة أحد المستودعات، فتحوا له الباب، المستودع الكبير ضاقت مساحته بالنفايات.. تركوه وحده، تسمّر قبالته ثم شرع يحمل البعض منها إلى غاية مكان تواجد الشاحنة ويلقي بها خلفها.. وفي الآن نفسه كان يلتفت دون أن يثير انتباه أحد، يختطف نظرات سريعة لعشرات المعتقلين الذين توزعوا في الساحة لاسترداد أنفاس منحت لهم للاستراحة.. وسط هؤلاء دنا "سي الشريف" من حدهم ربت على كتفه وهمس له في أذنه بصوت خافت:
"لقد دقت ساعة الحقيقة الآن.. لحظة أن تسمعوا الصرخة انطلقوا بحذر حسب الخطة المرسومة، لا أريد تخاذل.."
وهو يتسلل من مشروع النفايات، أطلق السائق صرخته وهو يتلوى والصراخي يعلو:
"النجدة، إنه ثعبان ضخم.. وتسارعت الأحذية العسكرية إلى ناحيته.. طوقت المستودع من كل جانب، جلبة وضجيج صاخب، تزامن مع هول الصرخة اقتحام رجال ثلاثة مؤخرة الشاحنة واختفوا داخل أكوام النغايات.. لا أحد تفطن لذلك، كانت الحركة الحذرة أسرع من يقظة العساكر وحراستهم المشددة، لم يعثروا على أي شيء، الرجل كان يصرخ بهستيريا مموهة بارعة، أطلقوا الرصاص، لا أثر للثعبان الصحراوي، كان يجزم لهم أنه رآه يتلوى على ورق الكرتون أمام عينيه. تعالت ضحكات الجنود وقهقهاتهم على جبن السائق، انصرفوا، وعاد هو إلى حمل البقايا إلى الشاحنة وكأن شيئا لم يطرأ. فرغ من عمله ثم تحدث مع الجنود، وصعد إلى مقعده، وانطلق، كان يدرك يقينا لا يشوبه شك أن الرجال من الآن في نفس الشاحنة وفي الخلف، انفرجت أسارير الوجه عن فرحة لا حدود لها، اقترب من البوابة الخارجية، مثل المعتاد تأمله الحراس.. أومأوا له بالذهاب وراحت العربة الثقيلة تشق الأرض الصحراوية ومن حين إلى آخر يصوب نظره إلى المرآة الخارجية العاكسة.. لقد ترك الرجل معتقل الصحراء خلفه، يحدث نفسه المنتعشة زهوا، هل يتوقف الآن؟ يمتنع.. يدنو من "الفيلاج" يأخذ بعض المسالك الترابية وفجأة يتوقف، صمت المحرك وهدأ الضجيج، أقفل الباب بهدوء وهبط، التفت يمينا وشمالا.. مشى إلى آخر الشاحنة.. ضرب بيده على الحديد.. خرج الثلاثة من الخلف، نزلوا واحتضنوا بعضهم.. واختفوا مع السائق.. سوى الشاحنة ظلت رابضة في ذات المكان.
في اليوم الموالي، اطلع الأهالي بالمنطقة على خبر مثير منشور في صدر الصفحة الأولى من الجريدة الفرنسية (مصالح الأمن تقضي على أربعة خارجين عن القانون فروا من السجن!) وتحت الخبر صورة وهمية لقتلى!
ذات صباح ديسمبري دافئ وبعد ثلاثين سنة.. نزل شيخان من سيارة كان يقودها رجل في مقتبل العمر.. أطالا التشخيص في ملامح ذلك العجوز الجالس تحت جدار بيته القديم يلتقط أشعة الشمس، صاح فيه أحدهما بفرح أسطوري عارم:
- "إلا الجبال ما يتلقاوش.. يا سي رقاص..!؟"
بهت العجوز، زلزله وقع الصوت الهادئ، وقف على رجليه بصعوبة قصوى وصاح:
- "سي الشريف".. تلاحمت الأيدي، تلاقت الأحضان في عناق.. نزلت دمعتان من عيني الرجل العجوز غسلتا بعضا من حفريات الوجه المنمي".
ـــــــــــــــــــــــ
* بول ڤزال" PAUL GAZELLE: الاسم القديم لمدينة عين وسارة وأيضا اسم المعتقل الصحراوي الشهير.
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* قاص من الجزائر
منشور بقسم
هوامش القصة
جديد دار الروائع لصاحبتها حسيبة موساوي العشق المقدنس للروائي عز الين جلاوجي

منشور بقسم
أخبار ثقافية
مايسة قصة قصيرة بقلم قلولي بن ساعد

ـــــــــــــــــ قصة قصيرة بقلم قلولي بن ساعد *
كانت تنتعل حذاءا ممزقا وفستانا باليا بأكمام شبه متدلية متخذة من ركن قصي في ساحة عمومية مقاما لها تتطلع لصدقات المحسنين إليها أمامها بعض الأواني القديمة والأفرشة الممزقة والثياب الرثة ..الناظر إليها يعتقد أنها غريبة عن الديار لا أحد يعرف كيف تداعت بها الأيام ورمتها مثل خرقة بالية في دياجير الموت والخواء لا سقف يأويها سوى السماء ..حدق فيها محدثي قال مسكينة مايسة لو تعرف قصتها قلت ومن أين لي أن أعرف … لم أكترث لمايسة كثيرا لأني أحسست بضرورة أن أصيخ السمع بتركيز شديد إلى راوي الحكاية …..
قبل أن تؤول إلى ما هي عليه الآن كانت محط أنظار باعة الشنطة السياسية والمنتخبين المزيفين والتجار واللصوص لقد تغيرت فيها أشياء كثيرة …شرخ كبير حفره معول الزمن والشقاء في أخاديد وجهها وجسدها الهزيل الذي لم يعد ذلك الجسد الذي أعمى في ربيع عمرها المنقضي أطياف شتى من الرجال والوصوليين الذين بذروا من أجلها الأموال التي سطوا عليها من الخزينة العمومية… ذابت كلها بين دبابيس الأرجل الرخوة والصدور البديعة والحفلات الرخيصة في الأمكنة النائية والفضاءات القصية … دخلت المدينة تحمل إثم إغتيال براءتها وعذريتها عندما تعرضت لأبشع إختطاف كانت تقطع الجسر الذي يفصل قريتها إلى شطرين عائدة من بيت عمتها ..أمسك بها أحدهم وكان يغطي وجهه بعمامة سوداء لا تظهر منها سوى عينيه المخيفتين حملها ثم قام برميها داخل سيارة رباعية الدفع محاطة بين أربعة رجال هم أشبه بالوحوش الضارية ..إنتفض أحدهم ثم شرع في وضع قطعة قماش على عينيها وأخرى على فمها ليمنع عنها الرؤية أو الصراخ وطلب النجدة …إستسلمت لقدرها المحتوم …. مرت ساعة أو أكثر ثم سرعان ما وجدت نفسها في مكان هو أشبه بالخندق تجثو عند ركبتي رجل ملتح تتوسل إليه بإخلاء سبيلها قيل لها أنه الأميرنادى على رفاقه قرأ له أحدهم عليها فاتحة الكتاب دون موافقتها ودون صداق أو مهر كأمة أو جارية …قام بجرها إلى جحره تبعته دون مقاومة ..إغتصبها بعنف …ظل يمارس عليها كل رغباته الدفينة وحماقاته المحمومة بوحشية لا حد لها …تمكنت بالكاد بعد أيام من مخادعتهم والفرار مساءا عبر الوهاد والغابات الكثيفة عندما وجدوا أنفسهم في قلب المواجهة لغارة مفاجئة من غارات أفراد الجيش..لعلع فيها الرصاص في الأرجاء وفوق التلال والهضبات الترابية …قطعت مسافة بعيدة حتى أصبحت أكثر اقترابا من جحافل قافلة الجنود المرابطة أسفل الغابة رغم إمارات التعب البادية عليها .. هبوا إليها …هدأوا من روعها ومن الرعب الذي سكنها …قصت عليهم كل شيء منذ لحظة اختطافها من قريتها ….كانت ترد على أسئلتهم بصعوبة بالغة بصوتها المتهدج وبتلكؤ وهي تجيب .بما رأت وسمعت منهم …أخبرتهم أيضا أنها ترفض العودة إلى بيت ذويها خشية من الفضيحة ومن بأس ووحشية والدها المتزمت .قاموا بنقلها إلى المستشفى ومنه إلى عيادة طبية لإعادة التأهيل النفسي لها لإزالة وقع الصدمة عنها ..تكفل بمتابعة حالتها النفسية طبيب فرنسي قرر الإقامة في هذه المدينة وفتح عيادة بها إرضاءا لذاكرة والده الجزائري المولد والذي عاش شطرا من حياته بيننا بحثا عن رأس الخيط الذي يربطه بالجذور العربية لوالدته في الحي المسمى “بيرو عرب ” يقال أنه تطوع لملازمة الثوار في جبال بوكحيل وأنه كان صديقا لفرانز فانون وجان سيناك ويتكلم اللغة العربية بطلاقة وناصر الثورة الجزائرية منذ مخاضها الأول وظل متشبثا بهذه الأرض إلى أن غاردرها مع مطلع الإستقلال مجبرا وعندما تماثلت للشفاء أخلوا سبيلها فكرت في البحث عن عمل أو وظيفة تقتات منها لكنها لم تكن تملك مؤهلا أو شهادة تمكنها من العمل في مؤسسة خاصة أو عامة لتحصيل قوتها اليومي سوى شهادة جسدها… وجدت نفسها دون وعي منها وتحت ضغط الحاجة كقشة تائهة لا صدرا تلجأ إليه أو أب أو زوج يحنوا عليها تنتقل من حضن لآخر ..لا تفرق بين تاجر أو مسؤول أو لص كلهم سواسية عندها طالما أنهم يدفعون لها كل ماتريد مقابل أن تتحمل كل قيئهم ومكبوتاتهم التي لا تنتهي ..لم يمض وقت طويل على ترددها على البيوت السرية للمدينة والفضاءات الخاصة فقد كان ذلك الوميض الذي يشع من عينيها والممرات الشائكة لجسدها الماكرة قد استبدت بكل من حولها ..ساق لها القدر كهلا كان يعاني من الوحدة والوحشة في مدينة باردة لا أهل له فيه أو خلان أو صلة قرابة التقطها في ليلة شتوية من شتاءات المدينة الأكثر قسوة وإيلاما للجسد…. تصور في البداية أنها ستقضي معه ليلة حمراء تمنحه فيها كل مايشتهي ثم تنصرف لحالها بعد أن يعوضها عن هذا التعب المضني الذي تعودت عليه كلما دعاها أحد من الرجال لرغبة ممكنة ..تعجب كثيرا عندما رأها فجر اليوم التالي منهمكة تنظف له حجرات البيت بما في ذلك مكتبته الخاصة …أزالت عنها الغبار والتراب ..أعادت توضيبها وترتيب الكتب في الرفوف لتسهل عليه الوصول إلى أي عنوان يريده بطريقة لائقة ودون عناء …حتى ملابسه قامت بغسلها اندهش لهذا السخاء منها وحيويتها فطلب منها البقاء معه في البيت إلى أجل غير مسمى …. وجدها فرصة ثمينة فوضعيته القانونية كلاجيء لا تسمح له إلا بزواج عرفي لقد أحب وتزوج مرة واحدة فقط في حياته عندما وجد نفسه محاطا بعشق إمرأة أخرى من طينة أخرى كان يشعر أن دم مدينته نابلس يجري في عروقها رآها لأول مرة بالصدفة هاربة تبحث عن مكان آمن لكي لا يطالها القصف الأعمى … سألته عن مقر منظمة “الأرنوا “المكلفة بإغاثة اللاجئين …أخذها إلى بيته تنفست الصعداء وهي تلمح من بعيد والدته المقعدة في صدر البيت منذ زمن بعيد بفعل تعرضها لشضايا صاروخ أصابها في رجلها اليمنى تقوم بتنقية الإرز تمهيدا لطهيه .. احتضنتها مثل ابنتها تماما وعندما توقفت غارات القتال لفترة محدودة عادت من حيث جاءت هزت وجدانه المهجور كصحراء خالية وأعلنت عليه الحب …سيطر عليه الهوس والجنون بها ..أسر لولادته بذلك ثم تقدم لخطبتها فصارت زوجته ..هو لم يتركها أو يتخلى عنها لا زالت هناك في نابلس مع والدته وابنتهما الوحيدة تنتظر عودته … الظروف هي التي أجبرته على الرحيل المفاجيء والبحث عن وطن يأويه لم يكن يملك من الوقت الكافي ليأخذ أسرته معه لقد خشي على نفسه من الأسر أو الإغتيال المباشر بعدما قام بتفجير زجاجة معبأة بالمواد القاتلة السريعة الإنفجار داخل حافلة تقل ركابا متوجهين لأداء عيد الفصح اليهودي ..نجى بإعجوبة ….فعل ذلك ردا على الإنتهاكات التي تتعرض لها مدينته ويتعرض لها بنو جلدته ..أقام في أكثر من بلد عربي لفترات مؤقته وكان يشعر بالخوف وبأشياء غريبة وتحركات خفية لم يذق طعم الأمان إلا في بلد الثوار ..في هذه المدينة الهادئة كان يقضي سحابة نهاره بين الطلبة في الثانوية التي يدرس بها مادة الفلسفة وحين يعود إلى البيت يجدها في استقباله وقد هيأت له كل أسباب الراحة ..كان مطمئنا إليها كل الإطمئنان رغم أنها لم تستطع أن تتربع على وجدانه لتحل محل حبه الأول الذي رعته العناية الربانية تحت شموس مدينته الثائرة … كل ما بينهما لم يكن سوى مجرد إستئناس هاديء دون مشاعر سوى الشعور بالشفقة عليها وحاجته إلى دفئها الأنثوي هي أيضا وجدت فيه ما يقيها من التشرد والضياع والتنقل بين البيوت والأمكنة القصية المعزولة بغرابتها وتفاصيل الحياة فيها ومتاهاتها الرمادية وخيالات الخوف والقلق والركض في المجهول التي كانت تسكنها ..منحته كل ما يشتهي أسكنته بؤبؤ عينيها وكانت مستعدة لهدر كل طاقاتها الأنثوية مقابل أن يحتفظ بها وأن تظل في خدمته ولم تكن تعلم ما تخبئه لها الأيام لقد إستيقظت فجأة ودون سابق إنذار على خبر عودته إلى بلده بعد اتفاقية أوسلو التي سمحت له كما لغيره من فلسطيني الشتات بالعودة إلى نابلس وبالعفوعنه ترك لها قليلا من المال قام بإدخاره في البنك وبعض الهدايا من الحلي التي كان يهديها إياها لحظة تطلعه إلى عينيها السوداوين أو يتملى من أعشاب جسدها بلا انتهاء حين يود أن يمارس في حضنها طقوس الموت واللوعة والإشتهاء …بكته كثيرا كما لم تبك أبدا رجلا لا قبله ولا بعده رغم خبرتها الحياة …تمنت لو أنها حملت منه على الأقل كان سيترك لها ما تذكره به …إستسلمت للبكاء ..غسل الدمع مآقي عينيها وبشعور من يتحمل وزر أساها تطلع إليها في لحظة ألم وانسحاب إجباري فرضته ظروف لا قدرة له على مجابهتها أو التردد لم يستطع التحمل كان المشهد تراجيديا بكاها هو أيضا ثم إنصرفت لا تلوي على شيء قبل أن يسلم مفتاح الشقة لإدارة الثانوية ..خمس سنوات قضتها معه في بيت آمن لم تشعرقط بسعادة قبلها لم تجد أمامها من مرفأ ترسوا عليها سفينتها التائهة دون وجهة أو دليل تذكرت صديقتها “عيشة الغناية” التي كثيرا ما كانت عونا لها …يراودها دائما إحساس نحوها بأمومة فقدتها منذ حادثة اختطافها المؤلمة يقال أن عيشة أطلق عليها الناس لقب “الغناية ” لكونها كانت تملك في ريعان شبابها صوتا عذبا وحنجرة ذهبية وذاكرة قوية في حفظ قصائد الشعر الملحون والمدائح الدينية …..هي لا تنسى كيف أعجب بصوتها خليفي أحمد وطلب منها الإنضمام لفرقته الموسيقية حينما زار الجلفة في منتصف السبعينيات وأحيا فيها حفلا كبيرا بدعوة من ضابط عسكري برتبة عقيد بمناسبة زفاف إبنه لكن والدها الميلود رحمه الله رفض ذلك رفضا قاطعا ..شعرت بحرج كبير وهي تعتذر لهذا الفنان الكبير عن فرصة العمر و ما أن توفي والدها حتى هبت للإنضمام لفرقة سي أحمد الأمين وأصبحت واحدة من أعضائها البارزين لا يخلو أي عرس أو فرح من وجودها فيه …كان صوتها العذب القوي يسمع من بعيد وترد صداها جبال حواص تتذكرمايسة كيف عرفتها قبل خمس سنوات عندما كانت تتردد على الحفلات التي تقيمها في فضاءات اللهو والسهر والإستمتاع وقد تبين لها أنها تشفق عليها كثيرا وتخصها بمعاملة خاصة ولا تتردد في إسداء النصيحة لها .. استقبلتها بشوق ولهفة …حكت لها كل شيء .. اقترحت عليها إيداع ما تملك من نقود وحلي في البنك ..لم تنخرط هذه المرة في أجواء السهر والجنون مثلما كانت تفعل قبل ارتباطها بذلك الكهل المشرقي القادم من مدينة الزيتون والأرز والشجر والماء .. .. انكفأت على نفسها واستعاضت عنها حين تشعر ببعض الإختناق أو اللوعة بالتوجه مع صديقتها عيشة إلى البيداء الشاسعة أو إلى بساتين رؤوس العيون للترويح عن نفسها واستنشاق نسمة هواء منعشة …خبر تواجدها وعودتها لبيت صديقتها لم يعد طي النسيان أو الكتمان إنتشر بسرعة البرق.. تناقلته الأفواه الجائعة إلى فحيح نداء الجسد .. كل الذين رأوها أو حاولوا الإقتراب منها خاب مسعاهم كانت تصدهم واحدا بعد الآخر ما عادت لديها الرغبة أو الإستعداد لتقبل أحد أو الخروج معه مهما كان …كانت عيشة تنقل إليها أخبار الذين أشعلت فيهم نيران اللوعة بها وهي صامدة متمسكة بعنادها ..أقسمت لصديقتها أنها في غنى عنهم جميعا دون استثناء ..فجأة لاح في الأفق عاشق جديد لا أحد توقع ظهوره أو رغبته المحمومة كان شيخا تجاوز الستين من عمره بقليل أسمر البشرة .. قيل أنه شخصية مهمة ويمتلك ثقافة دينية واسعة وهو حريص كل الحرص على التقيد والإلتزام بأداء واجباته الشرعية خاصة ما تعلق منها بشهواته ونزواته ونعيم الحياة الزوجية التي يختزلها في حقوقه البيولوجية ولا يتنازل عنها مطلقا و يستدل عليها بماجاء في صحيح مسلم ” أن الرجل وزوجته يثابا على الجماع بما يعادل سبعين صلاة نافلة”..لذلك هو لا يطيق الإكتفاء بزوجة واحدة ويظن نفسه أنه حينما يضيف زوجة أخرى إلى زوجاته الثلاث إنما ليضاعف الأجر والثواب وينال المغفرة رغم أنه لايتردد أحيانا في تناول كؤوس البيرة والويسكي في المناسبات البروتوكولية التي تجمعه بأعضاء البرلمان و” أعيان البلاد ” وكبار المسؤولين الذين صار واحدا منهم يعتمدون عليه في حل النزاعات القبلية ووأد أي احتقان إجتماعي أو إضراب مهني والحيلولة دون خروج أفراد قبيلته عن طاعة السلطان …منذ البداية أعلن عن رغبته في الزواج منها قال لعيشة ستكون زوجة رابعة ببيتها المستقل عن بيوت باقي زوجاته مكرمة مثل أي سيدة بيت فاضلة ترعى شؤون زوجها وتؤدي “واجباتها الشرعية “على أكمل وجه وعندما سألته عيشة يا الحاج أنت لك ثلاث زوجات ما حاجتك لزوجة رابعة إكتفى بالقول لها ” الزين حبوربي ” ..كان يتردد عليهما بين الحين والآخر محملا بالهدايا الكثيرة والأغذية المتنوعة والفواكه المستوردة لإغراءها واستمالتها وجعلها توافق على الإرتباط به ..وكانت عيشة تحاول إقناعها والتأكيد لها أنها ستصير زوجة في رقبة رجل وتحت كفالته وتتخلص سريعا من محنتها القديمة… إنه شيخ مسن نعم ولكنه محترم وسخي وينام على ثروة طائلة ..إحساس مفاجيء وضامر جعلها توافق على هذا العرض السخي لعل شآبيب الرحمة تنزل عليها وتنجب الذكر الذي تمنته طويلا لتتوكأ عليه في أرذل العمر وتمارس أمومتها كباقي النساء …زفت إليه عيشة الخبر واشترطت عليه أن تخرج من عندها كأي عروس وأن يقيم لها عرسا بهيجا …إخترق هذا الشرط طبلة أذنه..تردد في البداية ثم سرعان ما وجد نفسه يذعن لها قدم لها مهرها كاملا ..أقام لها عرسا غنت فيه عيشة مع بعض المغنين الشباب …كان صوتها الرخيم هو الأبرز …تستطيع أن تميزه من مسافة بعيدة بإيقاع البندير والناي الصحراوي ..أكل الفقراء اللحم والمشوي إلى حد التخمة ..كان يشعر بالبون الشاسع بينها وبين زوجاته الثلاث رغم ما مر بها من محن ..منحته كل ما كان يطلب منها ..أخلصت له رغم فارق السن الذي يفصلها عنه …أعطاها كل ما تحتاجه أنثى من رجل فحل يفك شفرات شللها العاطفي ويدفع عنها الوحشة والأذى والوحدة القاتلة منذ الليلة الأولى من زواجها به عندما فاجأها وهو يثب إليها ويطوقها بعضلاته القوية …خيل لها أنها في حضرة شاب في الثلاثين من عمره في وهجه ومضاعفة نشوة الإلتحام بها التي كانت تمتد حتى بزوغ الفجر ليأخذ منها التعب والسهر منتهاه …كان رؤوفا بها ودودا لها ما من حاجة تطلبها منه وإلا وكانت بين يديها .. بنى لها بيتا جديدا بعيدا جدا عن بيت كبرى زوجاته السليطة اللسان أم أبنائه الذكور وقد قام بتحذيرهذه الأخيرة من مغبة الطلاق إن هي كررت تجاوزاتها بحق زوجاته الأخريات خاصة منهن الصغرى وحين لم يطمئن قلبه كتب لها وثيقة يعلن فيها تنازله لها عن المسكن الجديد الذي أقامه وأصى أبنائه الذكور بضرورة الإلتزام بتنفيذ هذا التنازل في حالة الموت لا قدر الله … كان من النوع الذي يفرض رأيه بالقوة لقد عود أبنائه وزوجاته طيلة مسيرته في الحياة أن لا صوت يعلوا فوق صوته وأن قراراته لا تقبل المناقشة أو التردد هو مهاب منهم جميعهم لا يتجرأ أحد من أبنائه أو نسائه على مواجهته أو التفكير في مجرد الإعتراض على نواهيه وأوامره وفي لحظة مستقطعة من الزمن حدث مالم يكن في الحسبان وجدوه ملقى على قارعة الطريق أمام باب سيارته … شهود عيان قالوا أنه كان عائدا من وحدة إنتاج الحليب الكائنة بالمنطقة الصناعية التي يديرها ابنه البكر ..فجأة أوقف سيارته على يمين الطريق أمسك رأسه سقط متأثرا بصداع لم يتبينوا مصدره ..تكفل بعض المحسنين بنقله إلى المستشفى ثم سرعان ما غادر الحياة … كل الذين عرفوه قالوا لقد كان في كامل قواه الصحية والعقلية لم يشتك أبدا من مرض طوال حياته سقط المرحوم مرة واحدة وبشكل مفاجيء ..وصل الخبر إليها وعندما أرادت رؤيته لأخر مرة تعرضت لمعارضة شديدة من إبنه البكر قال لها ” الله يرحمو” ماذا تفعلين به الآن غدا سنشيعه إلى مثواه الأخير… … أنهت ما عليها من عدة ….عاد إليها الإبن البكربعدها منحها فرصة أسبوع واحد لحمل متاعها ومغادرة البيت وعندما ذكرته بالتنازل عن المسكن الذي أوصاه والده المرحوم بتنفيذه … استلم منها النسخة التي معها ثم قام بتمزيقها إربا إربا أمامها شاتما فيها …لم تتحمل وقع الظلم المسلط عليها فقدت السيطرة على أعصابها ..هبت غاضبة إلى المطبخ حملت السكين وأدخلته في بطنه في الوقت كان فيه مستلقيا على ظهره في غفوة داهمته من شدة التعب … مات على إثرها … اختلط الدم ببكائها ..تركته يسبح في دمه ثم خرجت متوجهة إلى مركز الشرطة للتبليغ عن جريمتها …نسي الناس أمرها إلى حين … أدينت بعشرة سنوات سجنا نافذة قضت نصفها بالسجن والنصف الآخر بمستشفى الأمراض العقلية وعندما أطلق سراحها وغادرت السجن وهي أشبه بشبح إمرأة داهمتها حمى الجنون لم تجد سوى أن تتخذ من هذا الركن القصي مأوى لها ……
غير بعيد عنها كان صدى مقطع أغنية ” مايسة يا مايسة مبطوطة ولا مداوسة ولا مزعكينك النساء* ” يرسله مكبر الصوت من مقهى شعبي مجاور إيذانا بإنصرافي وحيرة كبيرة تزج بي في بحر العدم والدهشة والتيه
مقطع الأغنية المذكور هو من الفلكلور النايلي*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* قاص من الجزائر
منشور بقسم
هوامش القصة
وللاحتلال يوم آخر قصة قصيرة بقلم اسماعيل دراجي
ـــــــــــ بقلم اسماعيل دراجي *
كانت الوحيدة في حياته لم يكن يعلم أنها ستكون كذلك عندما سماها وحيدة لأنه قرر أن يسميه وحيدا إن كان ذكرا...
كانت "وحيدة"قرة عينه تتحرك في قلبه،تناغي عواطفه، تدغدغ مشاعره، تختلط مشاعره،تتسارع دقات قلبه كلما قرأ على محياها بعض ملامح الحزن أو الغضب.....إنها قد ملكت عليه كلّ كيانه .
ظلت تكبر في بطء.كاد يلازم مهدها،ينام بجواره يأكل،يشرب،ويرتاح هناك .
عاب الناس عليه ذلك كثيرا لكنه لا يبالي،كانت زوجه تأخذها ما يشبه الغيرة،لكن سرعان ما تؤوب إلى رشدها،وتلتزم صوابها،وتتراجع عن شعورها هذا،عندما نذكر أنه ابنتها،وأن أيّ أم تتمنى أن تكون ابنتها مدللة،،وقد قال الأوائل أن البنت حبيبة أبيها،وفوق هذا وقبله أنها وحيدته ....
أصبحت الآن تدرك، وهذا ماكان يتمناه،لأنهاـ كما كان يقول ـ لو أنها كبيرة فإنها ستطلب مني حاجتــــها بنفسها وحينها لا آلو جهدا في جلب لها ماتحتاج، فهاهو الآن له ذلك،فقد راح يمطرها بوابل مما تطلبه، أو تتمناه .
الاستعمار هذه الأيام يكثف غاراته على البلدة الآمنة،ففي غارة أمس أصيب الكثير من الأهالي، والأبرياء، من الأطفال والطاعنين في السن .
كان يدعو الله كثيرا ويتوسل إليه أن يحمي و حيدته من رصاصة طائشة ،أو شظية عمياء،أو قنبلة جائحة لاتميز بين هذا وذاك.
كان يحدثها عن الاستعمار عن الكروم،عن الزيتون، عن الحرب والسلم،عن الاحتلال وعن أطماعه،عـــن بلدات هجرها أهلها عنوة،عن المخيمات، عن الشتات وكان يحدثها عن بيت جدها الذي تزينه تلك النافورة التي تتوسطه،وإصيصات الأزهار،عن قطيعه الذي لم
يسلم من كيد الأعداء أيضا،كان يحضنها كلما حدثها،
فقد كان يتخيل في كل لحظة أن وحيدته مستهدفة هي الأخرى كذلك،فتعانقه وتتشبث به لأن أباها مـــن المستهدفين كذلك،ولأن القوة الحمقاء لا تفرق ولا تميز وهي تضرب.....
هدأت الأوضاع هذه الأيام،وبعد خطر الحرب عــــن القرية ولو لحين،وتنفس الناس الصعداء،والتحقوا بأعمالهم،غير أن المفاجأة كانت كبيرة ،كانت صادمة عندما اكتشف أبو وحيدة أنّ المعمل البسيط الـــذي يشتغل فيه ويمده برزقه ويقيت منه وحيدته قُصف ودُمّر عن آخره،ولم يعد للعمال به غاية،وأنه غير صالح للترميم والانطلاق من جديد .
وقف مليا أمام الركام،رأى قطعا من الماكنات البسيطة رأى مآزر العمال ،رأى بقايا من الحواسيـب،رأى هولا عظيما،رأى حذاءا لحارس الليلي الذي قتل في القصف الهمجي...
استرجع أنفاسه،تمالك،أعاد قوته وشجاعته،سلّم بالواقع،فقد علّمه الاحتلال ـ كما علم غيره ـ جسارة وإقداما وحرصا على استمرار الحياة في موكب الموت. همّ بالانصراف...لكنه سمع صوتا يناديه مـــــــن خلف..أبا وحيدة...التفت،فإذا هو صاحب المعمل
ألك استعداد للعمل في الخارج،وصبر على أهــــلك ووحيدتك؟ وهل بقي للعمل معنى وقد قصفت البلدة الآمنة،ولنا إخوة يموتون هناك على الضفة الأُخرى؟
لقد قرّرت أن أحمل السلاح وأقاوم الاحتلال،أقاتل أبناء ال.....قال ذلك في حدّة وحماسة.
وحين هدأ غضبه قليلا خاطبه صاحبه:لا تنس أن عملك وسعيك على قوت أهلك هو أيضا كفاح ومقاومة وقد تعيل عوائل غيرك ممن يموتون في ساح المعركة..
الآن لا أستطيع أن أفكر، وأقرر،فأنا مشلول الفكر،مسلوب الإرادة...ولكن سأبلغك قراري فيما بعد.
استشار وحيدته وزوجه،وبعضا ممن يثق برأيهم، كانوا تقريبا على رأي واحد،فشجعوه على المضي على العمل في الخارج،ثم هي مدة ليست بالطويلة،فقد ذهب الزبير وأخوه،والعم أبو أيوب،وغيرهما كثير من أهل القرية...
لم يأخذ من كل هذه الآراء ومحاولات الإقناع إلا قول وحيدة بأن أمنيتها أن تستعمل حذاء ايطاليا تذكر أن أغلب البعثات العملية تكون إيطالية.قرّر علــى الفور،اتصل بصاحب المعمل،أبلغه موافقته.
بعد يومين سيكون جاهزا للسفر،والرحيل....
دنا الموعد وحانت الرحلة،ودع وحيدته وزوجـه طويلا،أوصى كل من يعرف من الأهل والأقــارب بوحيدته،وأنه سيعود في أقرب فرصة متاحة لذلك، لأنه غير مقتنع إلا بالتصدّي للاحتلال.كان يطمئنّ من بين الحين والآخر على وحيدة،يسأل عن الاحتلال، وعن الاحتلال،وعن الجديد من جرائمه...لكن كان يُطمأن رغم كل الظروف حتى لايضاف إلى هم غربته هم الأهل والوطن .
كان دوما يبلغ ابنته أنه سيحضر لها الحذاء الإيطالي الذي تودّه وترغب فيه وأن إيطاليا فعلا فيها أجود أنواع الأحذية.
كانت الأيام تمرّ عليه ثقيلة،مديدة،طويلة،يفكر في العود في لقاء أهله وفي رؤِية وحيدته على وجــــه الخصوص.
لقد أصبح الآن يعد التنازل لأن ما تبقى أقل مما مضى.
مضت الأيام متثاقلة لكن أمل العودة واللقاء الأحبة والوحيدة يخفف من عبء هذا الثقل.
اقترب أجل العودة..... غدا الرحيل،كان قد أعد كل أمتعته سلفا ومجموعة الأحذية في حقيبة خاصة،بات يقظا تلك الليلة،كم كانت طويلة،أنهى كل ذكرياته ولم تنته...
خرج باكرا،بدأ رحلة العودة،كانت هي أيضا طويلة، طويلة،
كان خلالها يفكر في اللقاء،في فرحة ابنته،في الجلوس إليها طويلا،في تقديم لها الهدايا والحذاء بل الأحذية راح يتساءل،كيف هي الآن؟وهل ازدادت جمالا مع جمالها؟أم تراها قد أخذ منها التفكـــــير مأخذه... وسلبها شيئا من بريقها؟والاحتلال هـــل اقترب منها في غيابه،وهل تلك الطمأنة كانت حقيقة.
لم تنته الأسئلة حتى انتهت الرحلة.
كان اللقاء رائعا أسطوريا،كان مع الأرض،مع الهواء
مع الشجر،مع الحجر،مع الناس،مع كل شيء.....
دخل بيته أخيرا،لقي زوجته،سأل عن وحيدة،أين هي ؟وكيف لم تكن في استقبالي؟أم أنها لم تسمع بمقدمي هذا اليوم؟حاولت الزوجة أن تطمئنه،لكنه أصر على الأسئلة. أخبرته أنها مريضة ؟اين هي الآن؟ أود أن أراها!!!
أدخلته زوجه غرفة ووحيدة سقط ليعانقها،وهو يدعو لها بالشفاء،وأنه سيعالجها ولو كلفه ذلك ما يملك.
أراد أن يخفف عنها مما هي فيه،فراح يفاجئها بالهدايا،الهدية بعد الأخرى.
وجاءت المفاجأة الكبرى فطلب منها أن تغمض عينيها،ففعلت.أخرج الحذاء الجميل،ثم قال لها:الآن افتحي عينيك،فرأت الحذاء الذي كانت تتمنى،شكلا ولونا.....أجهش الجميع في البكاء، استشاط غضبا،وراح يسأل عن السر المبكي،وهذا اللغز المحير،لكن لامجيب،عاوده الهدوء،هي ربما فرحة اللقاء ألم يقولوا أن للفرحة دموعها أيضا.
راح يرفع الغطاء عن ابنته ليلبسها الحذاء بنفسه تماما كما كان يفعل معها في صغرها...
رفع الغطاء...رأى منظرا أهاله...رأى أن الرجلين الجميلتين بُترتا ،سقط وهو يقول: وللاستعمار مغميا عليه يوم آخر.........
ــــــــــــــــــــــــ
* قاص من الجزائر
منشور بقسم
هوامش القصة
- * شاعرة من تونس
شوق قصيدة للشاعرة التونسية محبوبة خماسي
شوق
أشتاقك أكثر ،
أشتاق كلامك عذبا كهمسة موج،
اشتاق ريقك
ذاب الرحيق به مثل سكر ...
أشتاق أحضانك
حين يكون الشتاء جنونا
أشتاق هواك
هواءك ينسل في ليل حزني
كمسك و عنبر
أشتاق نظراتك سحرها
كضياء المنارة في التيه
حين أبحر
...
أيا من أسرت الفؤاد
و أصبحت منفى و مهجر
صنعت من أمنياتي جسرا
إليك...
إلى كل معبر...
تذيب جليد الأسى فيه كفك
وحبك
يدمي اشتياقا وهجرا ...
فأشتاقك أكثر وأكثر ...
أشتاقك كالزهر
يرجوقطر
الندى ،
ومثل النوارس
للبحر ...
وروحي تذوب اشتياقا ،
فراشة عمري تفتش عن نورك الشاعري
لتؤسر
...
ــــــــــــــــــ
منشور بقسم
هوامش الإبداع
أزمة التيه في الفصول الأربعة عند فلورا قازان في قصيدة قلق المطر دراسة للدكتور حمام محمد زهير
أزمة التيه في الفصول الأربعة ...عند فلورا قازان..قصيدة "قلق المطر"
دراسة: د.حمام محمد زهير..ناقد جزائري
تسربل جيد الملكة، بخيوط "لوبانية"، تشهر بريقها إلى الدنيا، وتفتح أحضانها في "أم الدنيا" حين تقول( بلغة الأم الرءوم ) تعالى..
كم لهذه "اللفظة" من تعبير راقي يدخل في " معجم الحنان النقي والخالص، «قلما تجد من يدرك معنى المعنى، لهذه اللفظة الخالدة في التاريخ الإنساني.
يقول" بشتارك "(حين اقرأ لملفوظ راقي أحس أن "مملكة من الحب" سوف تبدأ)، وأنا أغوص في حنين الكلمة تدفقت أهازيجها روعة وسياقا، تستعمل "الشاعرة قازان" الفعل مضارعا وتخطف الأخر "بفعل الأمر" (انسكب) تدفق بالمعنى السطحي، و التدفق له" حشرجة حنينية" ولم تقل "تساقط"من خيالي، "فالانسكاب" إما للماء ،لكي يغور في بلعوم الحق ويعطي الحياة ، لان الله تعالى، جعل منه الحياة، "رقة فلورا هنا جاءت أفقية ،من فوق "السماوات" وكأنها تتلطف على حين غرة، جعلت "للانسكاب "مصدرا "مرجعيا" هو الخيال، وخيال فلورا كما سبق يسبح في "تشريح الكلمات"لا ليسقط في دالها أو مدلولها وإنما في " تهيئتها لمعنى الكلمات" اوما يعرف عند "كريمنن" بصياغة المتعة الدائمة، عندما يكون الخيال مصدر "للإمطار" تتساقط قطراته .
01- الانسكاب لغة الدفع الصريح لمفوظ العاطفة...
الانسكاب "ليس محنة "وإنما أرادت إن تجعل منه "الشاعرة معجزة،" لأنها تقرن ذلك " بسقوط المطر" وهذا ما يعمق "محبة المخاطب"الذي تتهاوى "حنياته" كقطرات البعث من المطر، وكيف لايكون" بعثا" وقد انسكب من "الخيال" قطرة قطرة .
هي من تقول من "قمة ثغائها" ،ولا شك أن "الندى"سجل معها بكائها في "أكثر من ألف قصيدة" جزعة من "انحدار القطرات"على الخدود البارقة يجعل منها " شاعرة " ليس فقط من نوع الغور الدفين ،وإنما " شاعرة من الماء " إي بمعنى "إحياء كل ملفوظ " يدق خرصمها عل حين غفلة، من تشعبانها،.
أنها تبدع "دون حاجز"الا ما يمليه حد الإله خالق السموات والأرض ، وهذا ما جعلنا نحترمها ونجل ما تفكر فيه من " شيء جميل"، مولانا اقر لنا "الجميل "في طبيعته التي يطبق عليها من " رونق الضياء "أثناء منبلج "نجمة الفجر"المصفر،ثم تحرق أشياءها ، بالجزم غير "مضانة على حجب ""واستحالة، فقط تشترط مرحلتها الأولى لإكمال دورة الحياة .
أن لا يكون هناك "انصراف"ابدا لانه إن حدث فهو بحجم القمر (انسكِبْ من خيالي..قطرةً قطرةً...قمرًا.
قبلَ أنْ تنصرفَ..قمرًا .. هاربًا)، عندما تحاكي "فلورا" القمر تنظر فيه من " غيهب الانسكاب "لامن "لعجنه السطحية" من سحرِ، فهو قد يهرب فعلا ، سيدرك أن مصيره الغرق، هنا أحدثت تنافرا بين "ميازيب الإعجاب "والغرق في "قمة غريماسية متناقضة "، لكنه ليس تناقضا نائما بالمعنى وإنما هو تناقض مبهرج بالمتعة (الغرق) وتمد يدها للراغب في الفرار لاشك انه "الأخر" دق الباب حتى كل متنه، فلما كل متنه وجد انه سيقع في تشرين ماطر...وفجأة تأتي القافلة..وتأمره بالاقتراب..قافلة النجاة ،حل مؤقت لدورة "أزمة"محدثة بين أدوات التناقض، (كالغرق..والسحر..الخ) تدعو الشاعرة "صاحب الحظ "إلى الاقتراب( اقتربْ) بصفة الأمر، كما الذي انسكب من خيالها هاهي تدعوه مرة أخرى إلى الاقتراب من" واديها "حيث تستعير من لذة البشر " الشفاه " وتأخذ من قوة الطبيعة "الشجر" ..وهنا شتان بين" النعومة والغلضة "والشاعرة مزجت القوة وتيمية الشجر(من شِفاهِ الشجر..) وأبرقت بإقونة" صاعقة" فتحت دورقها على المطر والعنقِ، وفي الحقيقة "النعامة" عندما ترفع الشموخ يكون بعنقها الذي تنبعث من قوة الاختصار (وعنق المطرْ..) وحين ينبعث النور من " قصمية الضياء" تحدث الضحكات التي غالبا ما كان يسمعها المارين في " أساطير سرا فنتيس..(وضحكة القمرْ) الان وقد اتضح الشخص المغمور، في خيال فلورا تطلب منه ، "الانبعاث "وهذا ملفوظ صعب في وصفه ، تورقه بالمكانة، لهذا الغالب على ترقوتها (وانبعثْ..من بين أضلعي) من هيكلها العظمي يشد قوامها .
و صحيح"روميو"، إن يكون "حلما" لايشبه الأحلام كما كان يقول "إيهاب أبو غزالة"، "ليتني عدت كالريح اهوي السياق..ومجون الحلم حيث فحيح..ولا صحيح".
02-تقشير نتوءات الليل..للتعبير عن الحلم...
طلبت "فلورا " إن يكون منبعثا بحلم مغاير (حُلُمًا مغايرًا .)ولما رأى ما لا تصدق العين ولا يؤمن به الخيال العادي، اختار في " نيته الرحيل "عرفته من خيالاته..وتوهماته انه حتما "مغاير" للأقنعة (أنتظر ...لا ترحلْ) ارتكزت ألان على أن الخطر قادم، وقد وزعته بذكاء بين فصول البرد والقحط (الخريفُ خَطـِرٌ...والشتاءُ خَطِـرٌ) وجازفت بقولها حتى الربيع موسم "الانعتاق والأيلولة "إلى الذات النقية ، جعلته خطرا، (وهذا سرها ) في كل ما قالت (والربيعُ خطرٌ..).
أن موسم هجرة السنون والقطا، إلى بلاد الوعر، لاسيما أن هناك " قنبلة" في فصل الصيف تحمل الخوف وبرقع الانتشار (والصيفُ قنبلةٌ..موقوتةٌ للزَهْرِ)، وتتودد ألان بعدما أدركت مصير الطين لا بد متحرك، طلبت منه الإخبار وهو في "لغة النقد" سؤال تيمي، غريب الأطوار، تطلب من طين... لم يدرك بعد انه مهاجر خاصة وان الأرصفة كلها زهرية ،قد تفجرها " قنبلة" ،والليل الغريب المفتق بروائح الإصباح ينظر في سطح خيشومه جلدة الأسد، الذي لا يغفو، فكيف بها تسأل عن "الغفيان"، لان بئر وفا الهوى "بأريحيته وتبركاته القوية" وريحه الناعمة لا يجب إن يكون بئرا، تلاشى في عمقه ليل، ظل محاصرا حتى أفتكه من "غفلة العمق"مساء جميل..(أخبرني..هل يا تـُرى..غفى الليلُ..في بئر الهوى واندثرْ كي ينطفئَ..دفءَ المساءِ).
وفي نوازالفوزلايكون كل ذلك ،الا ضحكات منبعثة من "دار الحريم" تغدق الخيبة في الثبات واحتجاب "سمرة الليل" سويعات ،تصنعها تلك البرودة الغافية الجاثية بدون حركة..وبالصدق تقول والطين لازال يحكم سحره على الجدائل...حتى تأوه المنفلوطي في الخمائل،وتلك هي علة العلل..(ويضحكَ..على خيبتِنا..بردُ الشتاءْ ؟صدقًا....يقلقني
مصيرُ جدائلَ المطر...) ابدعت فتركت لذة الحول ..تحوم في كل ملفوظ تتوسدينه... ْ
دراسة: د.حمام محمد زهير..ناقد جزائري
تسربل جيد الملكة، بخيوط "لوبانية"، تشهر بريقها إلى الدنيا، وتفتح أحضانها في "أم الدنيا" حين تقول( بلغة الأم الرءوم ) تعالى..
كم لهذه "اللفظة" من تعبير راقي يدخل في " معجم الحنان النقي والخالص، «قلما تجد من يدرك معنى المعنى، لهذه اللفظة الخالدة في التاريخ الإنساني.
يقول" بشتارك "(حين اقرأ لملفوظ راقي أحس أن "مملكة من الحب" سوف تبدأ)، وأنا أغوص في حنين الكلمة تدفقت أهازيجها روعة وسياقا، تستعمل "الشاعرة قازان" الفعل مضارعا وتخطف الأخر "بفعل الأمر" (انسكب) تدفق بالمعنى السطحي، و التدفق له" حشرجة حنينية" ولم تقل "تساقط"من خيالي، "فالانسكاب" إما للماء ،لكي يغور في بلعوم الحق ويعطي الحياة ، لان الله تعالى، جعل منه الحياة، "رقة فلورا هنا جاءت أفقية ،من فوق "السماوات" وكأنها تتلطف على حين غرة، جعلت "للانسكاب "مصدرا "مرجعيا" هو الخيال، وخيال فلورا كما سبق يسبح في "تشريح الكلمات"لا ليسقط في دالها أو مدلولها وإنما في " تهيئتها لمعنى الكلمات" اوما يعرف عند "كريمنن" بصياغة المتعة الدائمة، عندما يكون الخيال مصدر "للإمطار" تتساقط قطراته .
01- الانسكاب لغة الدفع الصريح لمفوظ العاطفة...
الانسكاب "ليس محنة "وإنما أرادت إن تجعل منه "الشاعرة معجزة،" لأنها تقرن ذلك " بسقوط المطر" وهذا ما يعمق "محبة المخاطب"الذي تتهاوى "حنياته" كقطرات البعث من المطر، وكيف لايكون" بعثا" وقد انسكب من "الخيال" قطرة قطرة .
هي من تقول من "قمة ثغائها" ،ولا شك أن "الندى"سجل معها بكائها في "أكثر من ألف قصيدة" جزعة من "انحدار القطرات"على الخدود البارقة يجعل منها " شاعرة " ليس فقط من نوع الغور الدفين ،وإنما " شاعرة من الماء " إي بمعنى "إحياء كل ملفوظ " يدق خرصمها عل حين غفلة، من تشعبانها،.
أنها تبدع "دون حاجز"الا ما يمليه حد الإله خالق السموات والأرض ، وهذا ما جعلنا نحترمها ونجل ما تفكر فيه من " شيء جميل"، مولانا اقر لنا "الجميل "في طبيعته التي يطبق عليها من " رونق الضياء "أثناء منبلج "نجمة الفجر"المصفر،ثم تحرق أشياءها ، بالجزم غير "مضانة على حجب ""واستحالة، فقط تشترط مرحلتها الأولى لإكمال دورة الحياة .
أن لا يكون هناك "انصراف"ابدا لانه إن حدث فهو بحجم القمر (انسكِبْ من خيالي..قطرةً قطرةً...قمرًا.
قبلَ أنْ تنصرفَ..قمرًا .. هاربًا)، عندما تحاكي "فلورا" القمر تنظر فيه من " غيهب الانسكاب "لامن "لعجنه السطحية" من سحرِ، فهو قد يهرب فعلا ، سيدرك أن مصيره الغرق، هنا أحدثت تنافرا بين "ميازيب الإعجاب "والغرق في "قمة غريماسية متناقضة "، لكنه ليس تناقضا نائما بالمعنى وإنما هو تناقض مبهرج بالمتعة (الغرق) وتمد يدها للراغب في الفرار لاشك انه "الأخر" دق الباب حتى كل متنه، فلما كل متنه وجد انه سيقع في تشرين ماطر...وفجأة تأتي القافلة..وتأمره بالاقتراب..قافلة النجاة ،حل مؤقت لدورة "أزمة"محدثة بين أدوات التناقض، (كالغرق..والسحر..الخ) تدعو الشاعرة "صاحب الحظ "إلى الاقتراب( اقتربْ) بصفة الأمر، كما الذي انسكب من خيالها هاهي تدعوه مرة أخرى إلى الاقتراب من" واديها "حيث تستعير من لذة البشر " الشفاه " وتأخذ من قوة الطبيعة "الشجر" ..وهنا شتان بين" النعومة والغلضة "والشاعرة مزجت القوة وتيمية الشجر(من شِفاهِ الشجر..) وأبرقت بإقونة" صاعقة" فتحت دورقها على المطر والعنقِ، وفي الحقيقة "النعامة" عندما ترفع الشموخ يكون بعنقها الذي تنبعث من قوة الاختصار (وعنق المطرْ..) وحين ينبعث النور من " قصمية الضياء" تحدث الضحكات التي غالبا ما كان يسمعها المارين في " أساطير سرا فنتيس..(وضحكة القمرْ) الان وقد اتضح الشخص المغمور، في خيال فلورا تطلب منه ، "الانبعاث "وهذا ملفوظ صعب في وصفه ، تورقه بالمكانة، لهذا الغالب على ترقوتها (وانبعثْ..من بين أضلعي) من هيكلها العظمي يشد قوامها .
و صحيح"روميو"، إن يكون "حلما" لايشبه الأحلام كما كان يقول "إيهاب أبو غزالة"، "ليتني عدت كالريح اهوي السياق..ومجون الحلم حيث فحيح..ولا صحيح".
02-تقشير نتوءات الليل..للتعبير عن الحلم...
طلبت "فلورا " إن يكون منبعثا بحلم مغاير (حُلُمًا مغايرًا .)ولما رأى ما لا تصدق العين ولا يؤمن به الخيال العادي، اختار في " نيته الرحيل "عرفته من خيالاته..وتوهماته انه حتما "مغاير" للأقنعة (أنتظر ...لا ترحلْ) ارتكزت ألان على أن الخطر قادم، وقد وزعته بذكاء بين فصول البرد والقحط (الخريفُ خَطـِرٌ...والشتاءُ خَطِـرٌ) وجازفت بقولها حتى الربيع موسم "الانعتاق والأيلولة "إلى الذات النقية ، جعلته خطرا، (وهذا سرها ) في كل ما قالت (والربيعُ خطرٌ..).
أن موسم هجرة السنون والقطا، إلى بلاد الوعر، لاسيما أن هناك " قنبلة" في فصل الصيف تحمل الخوف وبرقع الانتشار (والصيفُ قنبلةٌ..موقوتةٌ للزَهْرِ)، وتتودد ألان بعدما أدركت مصير الطين لا بد متحرك، طلبت منه الإخبار وهو في "لغة النقد" سؤال تيمي، غريب الأطوار، تطلب من طين... لم يدرك بعد انه مهاجر خاصة وان الأرصفة كلها زهرية ،قد تفجرها " قنبلة" ،والليل الغريب المفتق بروائح الإصباح ينظر في سطح خيشومه جلدة الأسد، الذي لا يغفو، فكيف بها تسأل عن "الغفيان"، لان بئر وفا الهوى "بأريحيته وتبركاته القوية" وريحه الناعمة لا يجب إن يكون بئرا، تلاشى في عمقه ليل، ظل محاصرا حتى أفتكه من "غفلة العمق"مساء جميل..(أخبرني..هل يا تـُرى..غفى الليلُ..في بئر الهوى واندثرْ كي ينطفئَ..دفءَ المساءِ).
وفي نوازالفوزلايكون كل ذلك ،الا ضحكات منبعثة من "دار الحريم" تغدق الخيبة في الثبات واحتجاب "سمرة الليل" سويعات ،تصنعها تلك البرودة الغافية الجاثية بدون حركة..وبالصدق تقول والطين لازال يحكم سحره على الجدائل...حتى تأوه المنفلوطي في الخمائل،وتلك هي علة العلل..(ويضحكَ..على خيبتِنا..بردُ الشتاءْ ؟صدقًا....يقلقني
مصيرُ جدائلَ المطر...) ابدعت فتركت لذة الحول ..تحوم في كل ملفوظ تتوسدينه... ْ
منشور بقسم
مقالات نقدية
الرواية صراع القيم ومقومات الخير والشر في وصية المعتوه للروائي الجزائري اسماعيل يبرير بقلم د حمام محمد زهير

صراع القيم، ومقومات الخير والشر في وصية المعتوه للروائي الجزائري اسماعيل يبرير ..
د.حمام محمد زهير(ناقد جزائري) نشرت بجريدة الوسط في حلقتين
مجسم إبداعي. في بعض الأحيان نقول فيه أشياء عادية، تظهر لنا أنها فعلا مألوفة بل عند غيرنا هي زخم العلم وموسوعة المعارف،ولكن لايشعر البعض بذلك إلا بعد أن يرافق المجسم " الكلام الجميل".
رواية" وصية المعتوه" للروائي "إسماعيل يبرير" ، كنت منذ مدة ادواي فيها مايطيب لي كباحث في غور الكلمة، ناظرا إلى نصوصها الموزعة في "بمخيلة جريئة"، أخال من حين لأخر، أن اقتص منها شيئا، يداعب متاهاتي ولكن الأمر طال عليا، لأني "هوست " بأشيائها كناقد ، ظلت تشكل لي منطلقا للإفصاح عنها ،خصوصا وان "كاتبها" في بداية مشواره الروائي.
لهذا فان إنطاقها بنظرة خاصة ، يعطيني "الحق " كباحث أن أداعب مختلف "التكالبات النقدية" التي قد تطالها كنص سواء في جوانبه الفينومولوجية، أو البنيوية، أو التفكيكية ، أشياء قد يفاجأ بها القارئ وهو يلاحظها على بوابة هذا العمل الإبداعي ، إلى درجة كبيرة..والذي سيساعد مستقبلا بالغوص فيه من جانب أكثر تدقيق لواقع نعيشه ، ونحاول أن نرسمه وهو عنا متغيب، قد نرجع إلى هاته الرواية بعد " مليون سنة" فنجد التاريخ يحاور بين عتباتها مآسي وأحلام ربطت شباب البيوت المقدسية، ينتظر إن ينفض عنها عجز الاستلاب أو الاغتراب ،لان النوع الجميل سرعان ما يتماسك عند المتمرسين..ويغيب عند الجزاعين( الدزاعين ) الحاسدين والغيورين
01- سيمائية العنوان: رحلة بين التابوت والنعي:
- الوسم الضمني للعنوان
، والصراع" كارتباط" تتابعي" لملفوظ "متناصي مشبع" بكثير من الألوان،يبين أن في الأمر حبكة وتعقيد إلى سؤال تجريدي ، والمقصد هنا تركيب بين شكل (ابيض وخريدة فريدة من تقاسيم اللون الأحمر) وتوزيعها بالشكل الذي جاءت،يمكن من شيء متحرك في الذات من الداخل، وذلك يعرف بالملامسة لفكرة "الوصية"، مع المعتوه تارة، ولفكرة الكتاب مع الموتى،تارة أخرى، والصراعع مع "الإحياء"، لنتتبع الترتيب هنا:
جاء النص حواريا، في الشق الأول (من الوصية لا تكون إلا لشيئ مهم )..هكذا قيل .
يردد هنا (الملفوظ الغريماسي)، فيتدخل "المعتوه " في "إسقاطنا البرغماتي" على رجل موزع بين المتناقضات يدعى عندنا "معتوها" بكل المقاييس إلا إذا تم الخلط ، لان أبا العتاهية لم يكن معتوها بجملة الصرف ، كان معتوها بالفكر الوقاد، وهنا احي "الكاتب" إذا كان اختيار العنوان قد انساب من وسط اللفظ بهذه الجنحة كان أجملا..وصائبا..لأنه أريد من خلال استرعاء "كلمة المعتوه" أن يبني الصراع بين الموتى ضد الأحياء، وهو صراع "موجود في الذهنية الروائية" ونسقطه على الظاهرة من زمنها الفينومولوجي الغارق في سبحة المعنى.، الكلام في كل هذا لا يستوفي شرحا عاديا بل هو البحث في "غوائرية" الروائي الذي أجاد وابهر في العنوان.
إذا قضية تفسير " سيمائية العنوان " لها نوعا من "الاستيتيك الجمالي" الذي يظهر حقيقة ما،" صراعا باهتا " ذي تخمينات دراماتيكية، وفي بعض الأحيان رسما " لتراجيديا المحاكاة".
- الوسم التشكيلي للغلاف:
يرتبط اللون "الأحمر والأبيض،"والشكل العظمي بتراجيديا الأمكنة والحوادث، مما يؤدي بنا إلى الفهم و"تدقيق الفهم " حول حدوث (المكالبة العنيفة )التي تشرخ الواقع بأخبار العنف والموات ، فالرواية في ثمنها صراع، لهذا جاء "اختيار التشكيل " باهت وجميل" ومعبر بالمفهوم العام على ما يتفجر داخليا، رغم أن "قبلة المتوجه" كانت ظاهرية حتى يلقي الوصية، وكان من الأليق لوغير الروائي ' اتجاه الهيكل الماشي' إلى الغرب يتبعه عنوان الوصية لان الوصية تكون للموتى.' الميت قبل إن يموت يحرر الوصية ". واختلاج اللون الأحمر" تحت قدمي الميت"المعتوه العائد..كشهيد مندس من شهداء وطار الذين عادوا ذات أسبوع..ملئ بالتراجيديات كان يمكن أن يدور الشق العلوي للهيكل، ويترك النصف السفلي في مكانه تحدث المواءمة ومعها صبت للمعتوه " وصية"..ويكون الصراع فعلا بدون أخيلة قائما بين متحرك وجامد..
3-صاحب الوصية..()
قسم الكاتب "احوال نصه إلى مدارج رقمية تبين الفصول (الصفحات ) تشكل ترسينا جوهريا " كديباجة "لمعرفة "ماقيل" عن "المعتوه" الذي فرهاربا كما يفعل الزهاد في زمننا، وترك 3 تصاوير جميلة، ولكن قبل ذلك هو" مجسم لصور متحركة" من واقع يعيشه اقرأنه في تلك السن..اليانعة ( صناعة الخبز)..في ذؤابة الهمز كانت "صناعة الخبز" مهرب هرول إليه العباقرة في زمن طه حسين، والفتات وإبريق الشاي و"منا ينغصون" متتاليات رحم الله زمنا انجبها .
أرجعني هذا "الكاتب " إلى" تلك المهنة" التي قرأت عنها لطه رمضان في ثلاثينيات القرن الماضي وعبر عنها بهوسه "النبع الصافي" الذي تقيد به على أساس أنها "مهنة" حاول تفصيلها من الداخل (أنا تمكنت بعد أشهر قليلة من التدرب إن أتحكم في كل مايحبط بالفرن،العجن والتقسيم والوزن وإدخال وإخراج الصفائح المحملة بالخبز إلى جوف الفرن النهم ) يتلقى خبر الوفاة، تحدث له" ثورة عرابية" ويتعطل فيه ميكانيك الحياة، يتملكه التوتر والغضب ،يسمح في عمله بإعلان التمرد والثورة الربيعية على قيم العمل ، ويتوجه نحو" قضاء" أمر ما هو مسلسل "تأبين الوفاة للجد".
أثناء وداخل الطريق تمتد" حركة الزمن" في طولها متعرجة حقا (تغير أشغال في الطريق طريقه إلى المنزل ، ويسقط نتيجة للوجه الجديد غير المعروف ، وأخيرا يصل عبر خط ملتوي، كل الأشياء المتحركة تتوسم فيه الانفجار، وإذا بها تنفجر في مكانه معلنة "ثورة" من الألفاظ المبثوثة يتقاسمها "المفجعون" ثم يصل إلى خط البداية إلى "غرفة شقيقة المسافر سياحة على وجهه وكان "هو المعتوه ".داخل الحركة الممتدة من الفرن إلى منزل "الوالد "تتخلله (إيقونات اشارية) إلى تلك المقبرة التي ضيع " جده عمره في المحافظة عليها،" حيث يواجه "الضد" يوميا ، أين تمكث "المقبرة الخضراء "يوميا أمامه في حركة باهتة دءوبة والفرق بين المقبرتين إن الأولى صارت وكرا "للصيادين " والثانية تزهو بها الورود ،.
إن زمن النرد الذي دوخ " جده" جعله يتمنى إن " يعيش مكان جده "أربعة اعمارعشرينية أخرى "لان زمن الثمانين حولا، لا أبه لك من سئم، ولكن يظهر من تقاطيع الديباجة ، إن "السأم" بات وشيكا على "الشخصية المحورية " لأنها في البداية وهي (عادية) لم يرق هناك مشكل يدعو به إلى "التغرب "، فهو كحاله من الشباب يجرب "دورة العمل" بتعلم حرفة ، وأنا هنا لا أريد أن أناقش "التعاليم الأسرية" بهذا الخصوص، بسبب التكيف الحالي لجملة المشاغل عند "الإباء" اكبر هما وهو" توفير لقمة العيش،" ووجدت تصرفات "الأب "مبررة بالنظر إلى قساوسة العيش في الفترة الغابرة التي كتب فيها الراوي " ميسلون روايته" ..
تنحدرا للغة "دي سيسير " ملئ بحبور "المقاساة اليومية " في ظل "النظرية الرأسمالية " لصاحب العمل وجوره في غياب "التامين الصحي "، فالهوة هنا عميقة لان "التهرب الضريبي" أو" الجنائي" كان ميزة في الوقت الماضي، لهذا يسهل الطرد وأنا أرى ذلك قرينة، ولن يكون" تعسفيا" لأنهم يدعون أصحاب العمل بالضغط ، يغادرون غير مسافحين ، أنها " بهرجة ارتوازية " جاءت بها تقسيمه الرواية ، ولغتها كانت معبرة بقوله (لكن صاحب المخبرة ألح أن أكمل عملين كنت استجيب لأمره الصارم عندما أضاف تعليقا جعلني انتفض في وجهه، ربما قال (اللي مات ربي يرحموا كمل خدمتك وروح) .
استعمل الراوي "ملفوظات جميلة" من الواقع للتعبير (حرارة المخبرة جعلتني حارقا،الصيادين البلهاء، ..المسكين لاستطيع الوقوف).
04-رهبة القبر موحشة وجثة تستريح..
بدا الراوي بذكاء، حاد ،وصفه "لجنازة جده" ذي الثمانين حولا"، أربكت شابا في العشرين ظن انها بعيدة عن الثمانين ونسي وهمه ، ب"فتوة الشباب" وكأن سنان الحمام بعيدة .
"الوصف "كان جميلا عندما نقل النعش والتابوت على الأظهر " جسد خطة المالكية في دفن موتاهم "، وأزمة حفارا لقبور،ألقت رحابها حيث لا إستراتيجية تتحكم في ذلك ،فالموتى يتداخلون من "أبواب الجبانة الخضراء" بين كل لحظة وأخرى ويسرح المجال خيالا لتنفيذ الوصايا ،وما أكثرها وقد نصير يوما إلى إن لا نجد قبرا، إذا ما اكتنف دفن الميت ل10 ساعات، رغم أن استلال روحه من الألف إلى الياء دامت 10 دقائق ، وان هام البشر لحساب أعمار الموتى من قراءة الشواهد سيتصاعد أمل الشباب في العمر الطويل، وان رأوا ما يوعدون ،من أمثالهم ركبوا لهم الأسباب كالأمراض الخطيرة أو حوادث المرور وهم بذلك يريدون "تبريرا لفرار من الموت" وكأنه غير لاحق بهم تذكر "الراوي "، ذلك جيدا وهو يعد في أعمارهم عدا، لأنه ربما حسبهم خبزا تفتت في الجذوع وذاب بين نهم العباد،"الحسبة في المقبرة "آلة بيولوجية " لها ما يبررها لكن اعترف في قرار الأهواء انك أصبت في وصف "كومة انتظار لوأد جسد الجد"، وما تصورك الرائع لحركة "الأب" وهو يصر بهوس القلق إلى إن يحفر" قبر والده"الذي ضيع وصيته فمصطلح "الضياع والوصية" يظهر انه كامن في ذهنية الرواية عن طريق جينية وراثية فأبوه نسي قبر والده ، ومعه الوصية والرواية كشخص " محوري لحد الساعة" نسي عمره..
04-لوحة العشاء الأخيرة....
يتسلسل "بتناغم منهجي " أسلوب روايتك ، أيها الراوي "منهجا" بعطر المدرسة التجريب ، أحييك، وأعود إلى صبر دواخلك ، كانت عادة "إرواء المعزيين بطعام الكسكسى' ونترات اللحم السميك تزين بهرج الأمكنة وتدعو للميت بالثواب والأجر ،لكن انشغالك لم يكن مبررا في "عتره هذا الحزن"، لأنه كان الأجدر إن تنساب دموع من عينيك ووصف للحظات حارقة تتذكر بها أمكنة جدك ،فقد يكون تلوى من المعاناة، بان يفخر بحفيدة ويباهي به "الداخلون"إلى المقبرة ،وقد ذكره "المعتوه"أكثر منك بإشارته في الوصية إلى جمالية مكانه في تعميد موتى المقبرة المسيحية ، هي "مجرد مؤاخذة" لان الأمر لم يوضح في البداية عنصر "الترابط بينك وبين الجد" سوى انك ترميه بالاستهتار من عمره "الفاني" ولا شي جميل يذكرك به رغم إن أباك تباكى في المقبرة إلى حد إن رق قلبك فباليتك وضحت ذلك بدلا من التفكير في عمل أخر وفي " مخبزة أخرى" ربما قد تدكك الأعاصير منها ذات يوما، أين المطبوع الإنسانية في مصل "وليس مثل" هذه الحالات ، تكديسها مرة واحدة لا يجدي نفعا ، وإنما يتركنا نمارس" التأويل" في غير نصابه، كما انه لا الوقت ولا المكان، يجعلك تعيد حسابات الاهتمام بما ترك أخوك، وبما توحي إليه اللوحات ولا حتى الكتابة ، فعندما يعصرنا "الحزن" تذهب شهية الأكل، فكيف يشتهيه التفكيراو التمعن.
إن ما قلت أمر فيه الكثيرون "العجب" ومع ذلك سنتبع الأمر إلى الأخر..رجوعك في الأخير إلى ذكر زمن "الدفن "بعد العشاء إربك التوجه نحو المزيد من المتابعة ،أنت لست حاكيا ولا ساردا ، بل تمتهن "القص "في مجاريه الجميلة، ثم سرعان ما تصبح "ساردا" وهذا ما أخلط الأمر لدينا في متابعة هذه الزواية القصية ...
05-بين المقابر الثلاث..حكايات وانفصام...
القهر و المعاناة، "النوبات"، "الوراثة"، أشياء قد تتجمع مرة واحدة، فتصنع من الآدمي "إنسان" يقتل في مخيلته بشرا ويمنحهم الحياة، كما يفعل" الكتاب العالميون" الذين يقتلون بالنفحات ويحيون الأموات بالنفحات، وكل من فيق التجريب التخيلي..إنني مرتبك في حالة واحدة تخص "المعتوه" رغم قراءتي لمابين المقابر، لم أجد "المعتوة" إلا صورة من وضع لم نألفه الاعندما يكون الإنسان" حقيقة به مس"، أو" نوبة" من الصلاح والزهد، أو هو حوار نفسي ، وأنا أؤاخذ "الراوي" مرة أخرى في إطالة المشهد أكثر من "سبع وريقات " لتدل على "مشهد" لم يأت أصلا" حوار نفسي بين ذات ونقيضها" حتى لا نقول" قرينها" ذات قتلت في الأخيلة ،والشيء الايجابي رغم كل ذلك أنها نقلت عادات وتقاليد وأشياء من التراث وحسابات فلسفية جميلة أهمها بعظمة لسانك :
- جدي كان يعيش اوهاما كالواقع، ومهوسا بالمغامرة ، لم يكن "سباحا"مات من اجل يقطينة
- أبي اغفله التاريخ واغفل المستقبل فلم يشهد الحاضر
- حي ديار الشمس محاط بثلاث مقابر(اليهود المسيح والمسلمون)
- "حبس "لم يسكنه أهل الحي
- واد ملاح تاريخ عنيف ومصدر الروائح الكريهة، وطائرات فرنسية كانت تحمل الغرقى
- حكاية التفاحة" نيوتن" وإتمام دورة العذاب..
- للمرة الأولى اكتشفت إني لم أكن اسمع جيدا طوال حياتي
- أرادت أن تمنحك اسما مميزا يكون اقرب إلى الصالحين
- لم أكن لا اعثر على اسم أفضل من "السعدي"
- دخل " السعدي" لتوه المدينة رفق والدته
- أنت والسعدي بحثتما طويلا عن طائر"الرحمة البذئ
- في حي ديار الشمس لا يهتم الأولياء بأسنان أبنائهم..
أجادت محنة رؤاك "الوصف لمجتمع يصلح أن يكتب عنه المؤرخون" في بعض معلوماته صرت ساردا لأشياء جميلة للناس «كحكاية السعدي وليبيا"..أو" السعدي وطائر الرحمة"..
" قصك" جميل لكنه لم يستوعب " الرسالة الحقيقية "التي كنا نأمل إن تتضح في الرواية خاصة عندما يتكلم " المعتوه مع نفسه" ، يتدخل الرائي أو القرين، ليجد نفسه "سعديا"، هل بهذا الإظهار يدرك إن الراوي يقدس طقوس الولاء للدراويش و الصالحين ، واقصد اصحاب الكرامات ،فالسعدي كما قيل واحد من الزهاد ، فهل كان في فتوته قبل إن يسافر إلى ليبيا، ربما باحثا عن طائر الرحمة كان صالحا بمثل هذا الوجد ..
6- الكباش النموذجية..حلم وأصالة..
تتحدد "مسارات رؤية العالم "من خلال هذا الفصل الجميل الذي ضمنه الراوي،"مشهديات رائعة" حملت صورا كثيرة من المجتمع، كوضعية الحلاقين ومدارات أحاديثهم،"الحياء الأسري" بين البنات والذكور وسودانية" المخالطة الخالية من الجرم الجنسي"، حالات الكدرالتى كانت تعيشها "البيوت الفقيرة "الولاء والخضوع لأوامر الولي والأب ( اجري ياطفل بييك إيحوس أعليك، "التعايش القرابي بين الأسر، "الحشمة والوقار من البنت"عندما تنضج أنوثتها، الأسئلة البريئة، احتفاء الجلفة بالكبش رمزا للأصالة ،تفوق البنت في الدراسة ،مرافقة الشباب للمرأة ، الاعتناء بالشعر "ارتداء القشابية"وقاية من البرد.
اعودواقول أن منطلقات العالم في رواية إسماعيل هي كشف لرؤية العالم المتجلي من داخل الدواخل بتناقضاته الابتمينة والمورفولوجي ،ومسارات شخوصه متحركة ضاربة بين الأمكنة،العيد.(الحلاق).شخصية مبدعة،الرائي( شخصية ساردة )،السعدي شخصية مزدوجة ثنائية الأدوار،السارد "متفهم" بالحكمة ، فطيمة شخصية عارضة بنت عيسى القاوري ميؤسة،الخالة عيشوش امرأة ناضجة ،الحاج بورقيبة شخصية شاردة عمي سليمان شخصية مدهشة "أم السعدي شخصية كريمة"، الخالة التاقية" ملحة إعرابية" ،الكبش السالب زوج فطيمة شخصية كومبارس.
بالرغم أن الراوي عدد الكثير منها مما صعب على القارئ نوعية المتابعة بين السؤال والجواب لان دورة الاتصال في هذه الحالة يجب أن تتوضح في ما له شانا في الغوص، أثناء "الترشيح والافتقار والتشكل"، والإكثار منها لايساعد على تثبيت الحوار بل جعله سامعا بعض الشيء ،ليس من باب السلبية لأنه في "الأصل ينتظم" إذا كان الموضوع واضحا ، لكن كثرة الشخوص قد "يميع الموضوع" إلى اكثرمن جهة، وبالتالي فان الناقد يكون مخيرا بين الإبقاء بالستر على كثير من المواضيع التي تطرحها الشخصيات العائدة كشخصية بورقيبة وأصالته ثم كذبه إلى درجة انه اقنع الكثير بزور المقدسة..ا
7-فطيمة..المرأة الفحلة...
تجاوبت كثيرا في هذا المشهد، ارتكز على " صراحة البوح"من خلال بعض الأعمال التي يعملها الفرد في حياته ويفسرها الأخر "بجنون وحسد،" أو"سوء تقدير"، لكون نية العمل بالمقاصد، قد لايعبرعنها في وقتنا الحالي ، لهذا فان الراوي قد أراد أن يجرب بعضا من " فلول الواقعية الاجتماعية"التي دعا إليها "حنة مينة " في المصابيح الزرق، فاليوميات التي ذكرها" مينة" ، هي إفصاح وإسماعيل يبرير أفصح عنها من الداخل كما ورد في الصفحات من 53 إلى 65 كقوله مثلا(هذا بالتحديد ما حصل معي...كنت ملتحيا وأجبرت على كشف وجهي وان اشعراني اتقاطع في المصيرمع فطيمة التي كانت ترتدي جلبابا ، جعلني اتأكد اني لن التقيها مجددا، ثم تحول الى حجاب كلاسيكي منظم، وعدت الى تأمل وجهها ذي الملامح الطفولية، وبسرعة اقل اصبح غطاء رأس وحسب ...).
إن ما يفعله الراوي هو ما يبديه "عالم الآثار" الذي يزيح الشوائب والملتصقات من على الشيء المكتشف في مقولة " هوسرل" في تعريفه للفينومولوجية، قد يستقي "إسماعيل" هذه الملصقات الطافية على المجتمع وفي كل مرة يعيدها إلى وضعها الطبيعي الذي تالف الناس عليه، وفي اعتقادي هذه مهمةالرواي الحقيقية ذات البعد ألموسوعاتي، الذي يخرج من مجال السرد المباح على طريقة " ألف ليلة وليلة"وهاهي إيقونة جميلة جسدت ما أشرت إليه سابقا في ص54.(كان الرجال يعرفون النساء في جلابيبهن وملاحفهن يحفظون الفرق بين فلانة وعلانة من خلال المشي أو من خلال آليون أو من خلال الحركات ويتفق إن يقول الرجل لزوجته إن فلانة ذهبت إلى الحمام أو أنها زارت فلانة ،ولا تساله من قال لك إنها هي..)
كائنات إسماعيل في هذا الركن، تتفلسف وتتزهد (يدخل البيت في المساء فلا يغادر إلا للصلاة ص55) ومتخلقة (أبوك لايصرخ في وجه أمك ص 55) تضادد في بعض الأحيان على طريقة غريماس (وأبوه يصيح...)ينقل في نفس المشهد "تحول فطيمة" التي بالرغم أنها انسلت من زوجها، لأسباب كثيرة أكثرها سببا لم تبح به لكن الراوي كان سباقا في ذلك، نتيجة لتأويل قد يطال مجتمع متحفظ يرفض فضح الإسرار الزوجية ،"رمى زوجها بالعاجز"..وهذا تأصيل في المجتمعات المتبدية التي تحافظ المرأة على أسرارها الزواجية، حتى ولو كانت تمارس الخيانة،فجر المشهد بعضا من خيوط الغيرة والصراحة بين الراوي والسعدي وفطيمة كشكل لم يستهوي إلا السعدي أما الراوي فقد ادخلها عالم النساء..ورقة الأنوثة..والبياض...
8-شجرة النبق ومحاولات البلوغ المبكر..
ما شدني في هذا السرد الواضح لأيام الطفولة التي كنا نعايرها بالبراءة أو "الجياحة"،هو أخذه بشجرة النبق (ورقة السدر ) كمشروع استثماري كان الخوض فيه " أشبه بدعوات الشر"
ان الفرد الذي سيبيع "النبق" سيكون طعانا لعانا ، وكان ذلك قبل زمن إسماعيل ، فالنبق دليل على الفقر وبيعه كان صعبا، مثله مثل "لعبة القريدة "في فناء البيت ، لأنه يخرج من "السدرة" والسدرة كانت فالا مشينا وتعرية" وجيهة " لقبح أفعالنا فما مضى ، ونحن كالشاه المارة إلى تأبينية "كبش" ابتاعوه " جلبة" بين أسواق "الأحد" وبحبح..هكذا مثلت " حكاية النبق" التي أولها الروائي والرائي " حكاية" كان من الضروري إقحامها ربما لتطويل السرد ، غير إنني كنت أراها "مرحلة واجهيه " تظهر محيط الراوي وتعطي فصلا من التعلق " بهذه "النبتة العجيبة" التي أصبحت اليوم مصدرا لكثير من الأدوية التي غلا ثمنها، ومن النبق صاغ الراوي "عادات سيئة" كان يقوم بها بعض الأطفال في اختلاس" البتر والقيافة"على سحون الخلاص ، فلا من متيقظ ولا منتبه ، يتجرعون "نفاثات من سجائر".
العجيب في الامرهو "تمريغ عادة سب المعلم " لانعلم لها دخولا وأكاد اجزم، ربما تلك لعنة "الحرز" هي من أوقعت الروائي في " لعن المعلم"، لكنها كانت "ايقونة ماردة" ربما حدثت، نقلها السارد بروية وأمانة ، لكنها كانت" خافية "وقتها قلنا إن المعلم كاد أن يكون رسولا،.
9-جبانة اليهود المرافعة...
ينبش الروائي إسماعيل عن مواضيع من قعر التاريخ ، ويمسح عنها التراكمات التي طالته، بفعل الممارسات الثقافية واللغوية، لكنه لايستبعد ما يدخل في ذاته من أفكار وهو مايسميه "هوسرل" بمرحلة الرد "الماهوي" اي استبعاد ما يدخل في الذات اثناء تنقية الظاهرة وهأنت تقول (جدك كان يعلق عن اليهود بابناء العم(بني عمك اليهود والله مايخلوك تنوض، أبناء عمك اليهود لن يتركوك تستيقظ، هذا جعلك تعتقد إن الكابوس الذي ظللت تقاومه من اقترافهم ص 82) وتجبل مرة أخرى طور"التاريخي" متنقلا بلا تبرير( ندما استعاد الحي هدؤه وظلامه قفزت خارج نطاق موتى اليهود إلى موتى الأحياء ص84) .
آه لوكان حوارك مع موتى اليهود بسرد قصصهم كان ذلك سيبين فضح التاريخ من عتبات دخولهم إلينا واستغلالهم أرزاقنا ذات يوم، ولم يتركوا لنا إلا اللعنة في الأمكنة التي ارتادوها..ولولا" حرمة الاموات" لصفع التاريخ اغماطهم، غير بعيد عن تشخيص التاريخ بين حي مئة دار والبيوت المقدسىة حكايات كان الاصوب فتحها بالسرد التاريخي منهجا ، سيكون مثالا للنموذج ، نقلت بعض القيم الجميلة في مجتمعنا كالرفق بالحيوان،ولا سيما القطط، كانا سيدنا عطية مسعودي قدس اله سره له قطة ينتقل اليها من الجلالية إلى الجلفة يطعمها نصف رطل من اللحم ، لقد كانت تلك لخاصية متأصلة في الفؤاد الجلفاوي، ومنها قيمة الحايك بوعوينة،وتوقير الحشمة والحياء، لقد فعلت فيك الفينمولوجية فعلتها ، وكأنها تلاوح في مكانها عنان الاشياء الثابتة، فها انت ترسم (ذات يوم سقطت من سيارة امام بيتنا، فلم تترك ملحفتها، سقطت مجتمعة على راسها وظلت تعظ على الملحفة رغم ذلك عندما ادخلت الى البيت تبين انها فقدت سنا ولم تشعر وكسر ذراعها لكنها لم تكشف عن وجهها).
أصدقك القول أيها الروائي إن هذا المنظر " أسال دمعا "ما كنت لا صدره على ذلك الزمن ، لولا هاته الفحلة التي علمتنا التأصيل وقيمة "النص الرصين " وفي نهاية هذا الفصل أعاتبك للرجوع إلى مقبرة اليهود لتزيح ويل التخفي (ادخل إلى مقبرة اليهود وانأ اكتم حكاياتي عني حتى لا افضحني عمتي تبكي في الغد قطها فمن سيبكينني ....) جاء هدا لمشهد جمالي لو رجعت إلى مقبرة المسلمين دون تدخين بحثا عن الراحة وكابوس قتلك للسعدي..
10- دع عنك لومي...
يرتقي الكاتب في هذا المشهد إلى تحديد بعض المواقف المأخوذة في صغره من حركة اليهود المتوفين ، عن طريق تضخيم الحوار( شواهد قبورهم ) معهم من خلال ما كتب على شواهدهم ولكن اسر في عذابه نفسه سماكان يفعله " الأطفال " من سرد لماضيهم المخطر من خلال لغتهم التي ماتت وأحياها أهلها وهنا بدا الراوي يبرز في "عتبته" مقصود الوصية بقوله (ترك سليم الوصية ، لهذا سأفعل الامرذاته ينبغي إن تكون لي وصية ..)مفصحا عن العنوان الذي اختاره في البداية، وقد جرنا هذا التشكل..وفسر غير مسافح تسكعه في مقبرة اليهود حيث ولدت "فكرةالوصية"..
11-الطهارة..جسم والوضعيات الحالمة
كان الموقف بمثابة " رجوع ولحظة تدبر وتمعن بين السارد والمسرود فيه" من نصوص متقطعة هي جزئيات مارة في كنف محيطه، وقد ابلغ الراوي من شان المرأة التى تكسرت وظل يحن اليها في تهجم على واقعه " مرة ومرة" في محاورتها من اجل ان يدخل في غور نفسه معبرا عن حبه لصديقه " السعدي الزهدي"، وهذه طهارة الذنب عندما تنهي قصه بإخراج من قتلت بقولك( إما إنا ألان فأتذكره بكثير من الحب اكفر كنت افعل في ييته، أصبح اقرب إلي وأكثر فهما..) وقد كان وصفك أجمل عندما قرات المدينة الجديدة التي زاحمها " الزفت " قصر في أطوال أبوابها.وأزال رموز الوداعة من إقفالها كما فعلت البلدية بالحجرة "المباصية أمام بيت السارد القديم.".ولا أ خفي إنني اكتشفت بعض الأروقة الجميلة من حيث اللغة والحبكة في سردية إسماعيل (استلقيت على الأرض، كانت السماء تهوي علي مسرعة، تقترب فأحاول إن اسكن قلب الأرض...)..
12-مأدبة الإبقاء عى نهاية السرد
انتقل "السارد "من وضع الأخيلة ، حيث نزغ نزعا إلى تداعيات الجريمة ،فبعد قتله للسعدي" الجانب الجيد والزاهد" فيه يكتشف ويصرح بأنه كان طوال حياته يرمد بشي " لفطيمة "التي تزوجت السعدي بعدما كانت ، تهزهزه بحنية العشق ، فما ظن إن الامورستعاد إلى نصابها من جديد حيث يتم وضع الاعتراف وتتشدد الذكريات وتتغير الامكنة ، و لم تتغير محبة السارد لنفسه العميقة وغنجه لمحبة فطيمة ( يقول الرائي: كأن كل السابق وهم ، هاأنت تعود إلى نقطة البداية تصحح الحكاية وتعيد ترتيبها كأنك تريد إن تأخذ طريقا مختلفا عما كان ....)ص117.
ويبدأ عدك للتفاصيل في البيت الذي شهد" رأياك" وتمردك واستحالتك وتعميدك بماء الطهارة لتلك العربدات التي ربما تنام في كبرك ، حتى فهمها السعدي بأنك تخدش شعورا فيه فهم ليقتلك من الداخل لعلك تعتبر وتعود إلى "مرقك البدوي" حيث لا تعرف لتسكين الإفراز متاهة...
13- وصية المعتوه.
.يكتشف السارد إن إدريس خبأ "تشاكلات نقدية " لمجتمع سارت على أطواره كل تلك المراحل بتفاصيلها التي تشبه التفاصيل، ولكنها لم تكن لمعتوه ربما فقد عقله أو قادته " جنية وراثية" فهي حكمة تقطر من فمه، رسم معالم الانبعاث بين ميميات ثلاث( مقبرة اليهود والمسيح والمسلمون) يجانبهم "سجن.".وإنما كانت لزاوية أرادت إن تقول "بإمكاني أن أكون" ولو كنت في بقاع العجب ،ولهذا فاني لا أرى عجبا إن تسري هذه الرواية بعد زمن طويل إلى لون من التاريخ " لحياة قديمة" عاشها الصالحون في هاته البقاء ويا حبذا لو تحمل السارد والرائي فصلا من " صورة الانبعاث ا لروحي " الذي تركه الاغيار من حفاظ كتاب الله ومروعو الدجل في هاته الفلاة .وما اكثرهم،
ذكرت أيها الراوي الرائع تفاصيل مهمة ،ارتبطت بعادات وتقاليد هاته المنطقة العظيمة وألبستها كما قلت في البداية "منهجا فينومولوجيا " متقصيا عليه " صفة عالم الآثار" على حد ما قال هوسرل، نقيت كل الأشياء إلا وصية المعتوه إلى تركتها في 45 صفحة..أتمنى إن يكون تفصيلها قادما لأنك حملت الوصية وذكرتها فانشرها للعالمين.وان تركرك خيرا الوصية...الوالدين والأقربون..
رؤيتك للعالم كانت رائعة وروايتك على مدرا ستة أيام التهمتها وسعيد جدا إني اكتشفت فيك ذلك الحس الأخاذ والجميل..فعلا يمكن إن نفتخر بان مادمت هو عمل في لونه من صفات العالمية ما أن يدخل في الأدب العالمي..شخوصك متواضعة اعدادها عادية وهو ما جعلنا نركز في حوراتها..غير إن الرائي كان كثيرا ما يلخص متأثرا بحكمه ..وعواطفه.
ولكن في البداية والنهاية روايتك "طفح جميل" قد يفيد التاريخ يوم تبور الأرض وتختفي الأجناس أمام ضوضاء التكنولوجية عندها قد تكتشف رابية بين ميميات في المنازل المقدسة..اوغيرها ، قد يعاد صياغة التاريخ منها ذات يوم..لان واد ملاح متقلب بألوان الحضارة ..أحييك وافتخر اني لم أضيع أسبوعا من القراءة والترتيب ، رغم كل الإشغال ، ولولا حجب المكان لفصلت كل شيء تفصيلا...واهمس في أذان الناشرين إن وصية المعتوه لو تترجم الى لغات كثيرة سيكون ذلك ربحا ومغنما،لإستراتيجية شبابية جديدة في عالم القص الجميل...
منشور بقسم
مقالات نقدية