الجسر قصة بقلم محمد مصطفاوي
قصة قصيرة......
بقلم....محمد مصطفاوي.......
الجسر
أقتريت الجميلة من الجسر...الشعر فحمي طويل و اعتدال القوام يغري و الصيف في شراسة موسمه...تأملت و بدقة غريبة فراغ المكان من حوله...أطلقت بعض الزفرات و هي تشخص بعيدا في أعالي المدينة....تسللت يدها الناعمة داخل حقيبتها الجلدية..سربت منا منديلا أنيقا راحت تجفف به بقع العرق المتكسرة على الوجه و على امتداد العنق ثم أعادته الى مستقره....ثم عبثت نفس اليد مرة اخرى بالأشياء الصغيرة...تحسست شيئا مهما كانت تغالب في البحث عنه...ضغطت عليه...أخرجته الى رحابة الفضاء...ألتفتت الجميلة في كل اتجاه بشكل يشبه الى حد ما المتلصصة...ثم سرعان ما ألقت به على الأرضية....خطوات و كان جسد الأنثى يلامس حديد الجسر و الهدوء يفرض لحظته...الزمن في طلعة الغروب..طأطأت رأسها...هناك في الأسفل سوى مجاهيل النهر الملوث الراكد...و دون أن تشعر وجدت قابلية عناقه أعمق و أقوى من سنوات العمر التي مضت فأبتسمت...أستعدت للحركة ..وضعت قدميها في نصف الاطار الحديدي...حلق نصفها الأعلى في الهواء و تماشيا مع صورة الحركة أزاحت كل ثقلها من موقع قدميها الثابت....و قبل أن تنزل الكتلة البشرية نحو الأسفل صدرت منها صرخة مدوية شقت رتابة تلك الليلة الشرسة........
في صباح صخب المدينة..أعترف الأهالي...لمصالح التحقيق التي جاءت مع من جاؤوا لانتشال الجثة المنتفخة الراسية على حافة المستنقع...أنهم شاهدوا من شرفات منازلهم المطلة على الجسر قطعة ورقة يهزها الريح بشكل مريب على الأرض مباشرة بعد سماعهم لسقوط شيئا ما على النهر.....و لما أصرت مصالح التحقيق على معرفة سر برودة اعترافاتهم ...أجابوا بصوت جماعي قاطع.......النشرة الاخبارية كانت قد منعتنا من الخروج لمعرفة ما حدث.....؟؟؟؟ ثم أردفوا........لا ندري كما أنتم لا تدرون كيف أختارت التعيسة الوقت الخاطيء..لكي تموت ...ثم يا سادة هل شعرتم أنتم ايضا بنفس حرارة ليلتنا أمس......؟؟؟؟؟؟؟؟؟
كانت الوجوه التي شوهدت جديدة على أهالي الحي المطل على الجسر..تأتي لأول مرة...غادرت المكان سريعا قبل أن يسترسل الأهالي في اتمام أقوالهم التي أقتصرت في أكثرها على حالة الطقس و نشرة الأخبار....؟؟؟؟؟؟؟؟..
في مساء هدوء المدينة....دعت مؤسسة التلفزيون الرسمية كبار خبراء البلد لتشريح الحادثة....كانت الحالة تستدعي ضجيج الرأي حتى تعرف الناس ما حدث.......في قاعة واسعة على البلاتو...ظهر رجل منهم...قدمه المنشط كواحد من خبراء البيئة......قال للجمهور و للناس التي تسمعه على الشاشة.....و على المباشر....
........انا شخصيا أحمل المسؤولية الكاملة للثلوث البيئي....ما حدث لمفجوعة الحسر نشترك كلنا فيها....الأمر لم يعد يطاق....الاسمنت المسلح دمر كل شيء....المصانع العشوائية و دخانها أفقدنا العقل فعلا.....يجب أن نخرج بتصور صحي لأجل الافلات من الدمار......كارثة يا جماعة..........
و بسرعة خطف منه الميكرفون عالم النفس الجالس بجانبه....تنحنح قليلا....و ظهر يتحدث للجمهور و للناس كما كانوا يسمعونه بصوته الحهوري و كأنه كان يلقي محاضرة.....بعد أن شكر مؤسسة التلفزة على مبادرتها
.........اني أحدر المجتمع من ظاهرة الحب المستحيل.....نعم الحب المستحيل ؟؟؟؟؟..الطاهرة... التي بدأت تستفحل في مجتمعنا....هده احدى نتائجها.....يجب أن نفتح صدورنا لبعضنا ..الحب هو الحل يا جماعة.....و لا سواه....؟؟؟؟؟؟ ما ان أتم الرجل تدخله حتى تناول أحد الكتاب الكبار في البلد الكلمة...بدأ و كأن به يتمايل في قعدته....يعدل في ربطة عنقه أكثر مما يجب...و بصوت خافت.تخللته نبرة شاعرية.....قال..
.......ما حدث في المدينة ليلة أمس أيها السادة....و هو ايضا كلامي لسكانها....هو بداية انقراض حقيقي لقيمة الجمال....نعم ..الجمال....المنتحرة قيل أنها كانت جميلة جدا...و فوق التصور....و من شأن هدا الغياب للجمال أن يهدد روح الابداع في المستقبل...؟؟؟؟؟؟ عن أي شيء سنكتب ادا ما أختفى عنصر الجمال.من حياتنا و من البلد....؟؟؟؟؟؟ هل سنكتب عن خبز الفقراء....عن البطالة ؟؟؟؟ عن المتسولين ؟؟؟؟ عن الحرية ؟؟؟؟؟؟؟ لا....انها مهزلة....؟؟؟؟؟؟؟؟؟
و قبل لحطات قليلة من انتهاء الندوة الحاسمة..أقتادوا ضيوفهم الى قاعة هي الاخرى كبيرة....حيث أقاموا على شرفهم مأدبة عشاء فاخرة و من بعد أطفأ ناس المدينة أجهزتهم السحرية و نامواااااااااا
تداخلت الفصول...و مر عام على الحادثة....و أقبل صيف اخر....في نفس المكان و عند الغروب نفسه...عاش الجسر فاجعة مماثلة.....مراهقة تشبهها....تتقدم بخطوات شجاعة نحو الجسر الرهيب...تلقي بشيئ ما......ورقتها....وصيتها المجهولة على الأرض و في لمح البصر يعانق الجسد الناعم المتوتر صدر النهر.الجائع.. الشره ؟؟؟؟
و على غير العادة.....حدث الاستثناء....خرجت أفواج الناس الى الشارع....حملوا لافتات عريضة كتبوا عليها....نطالب بهدم الجسر فورا....لا نريد الجسر......حطموه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟............و لحظتها لم يعد بالامكان ترك الجسر على حاله...و كما أرادوا...تم هدم الجسر و أنتهت صورته من أعالي المدينة.....؟؟؟؟؟؟؟؟؟
بعد سنوات أبتكرت الجميلات في المدينة نفسها أصنافا جديدة للموت المستعجل أكثر تطورا و سرعة من السقوط من على الجسر....و تاهت معالم البحث عن سر ما يحدث...لانتشارها المريع مع موسم كل صيف....كل الفصول و كأنها تتجمد مع غروب كل ليلة ..
بقلم....محمد مصطفاوي.......
الجسر
أقتريت الجميلة من الجسر...الشعر فحمي طويل و اعتدال القوام يغري و الصيف في شراسة موسمه...تأملت و بدقة غريبة فراغ المكان من حوله...أطلقت بعض الزفرات و هي تشخص بعيدا في أعالي المدينة....تسللت يدها الناعمة داخل حقيبتها الجلدية..سربت منا منديلا أنيقا راحت تجفف به بقع العرق المتكسرة على الوجه و على امتداد العنق ثم أعادته الى مستقره....ثم عبثت نفس اليد مرة اخرى بالأشياء الصغيرة...تحسست شيئا مهما كانت تغالب في البحث عنه...ضغطت عليه...أخرجته الى رحابة الفضاء...ألتفتت الجميلة في كل اتجاه بشكل يشبه الى حد ما المتلصصة...ثم سرعان ما ألقت به على الأرضية....خطوات و كان جسد الأنثى يلامس حديد الجسر و الهدوء يفرض لحظته...الزمن في طلعة الغروب..طأطأت رأسها...هناك في الأسفل سوى مجاهيل النهر الملوث الراكد...و دون أن تشعر وجدت قابلية عناقه أعمق و أقوى من سنوات العمر التي مضت فأبتسمت...أستعدت للحركة ..وضعت قدميها في نصف الاطار الحديدي...حلق نصفها الأعلى في الهواء و تماشيا مع صورة الحركة أزاحت كل ثقلها من موقع قدميها الثابت....و قبل أن تنزل الكتلة البشرية نحو الأسفل صدرت منها صرخة مدوية شقت رتابة تلك الليلة الشرسة........
في صباح صخب المدينة..أعترف الأهالي...لمصالح التحقيق التي جاءت مع من جاؤوا لانتشال الجثة المنتفخة الراسية على حافة المستنقع...أنهم شاهدوا من شرفات منازلهم المطلة على الجسر قطعة ورقة يهزها الريح بشكل مريب على الأرض مباشرة بعد سماعهم لسقوط شيئا ما على النهر.....و لما أصرت مصالح التحقيق على معرفة سر برودة اعترافاتهم ...أجابوا بصوت جماعي قاطع.......النشرة الاخبارية كانت قد منعتنا من الخروج لمعرفة ما حدث.....؟؟؟؟ ثم أردفوا........لا ندري كما أنتم لا تدرون كيف أختارت التعيسة الوقت الخاطيء..لكي تموت ...ثم يا سادة هل شعرتم أنتم ايضا بنفس حرارة ليلتنا أمس......؟؟؟؟؟؟؟؟؟
كانت الوجوه التي شوهدت جديدة على أهالي الحي المطل على الجسر..تأتي لأول مرة...غادرت المكان سريعا قبل أن يسترسل الأهالي في اتمام أقوالهم التي أقتصرت في أكثرها على حالة الطقس و نشرة الأخبار....؟؟؟؟؟؟؟؟..
في مساء هدوء المدينة....دعت مؤسسة التلفزيون الرسمية كبار خبراء البلد لتشريح الحادثة....كانت الحالة تستدعي ضجيج الرأي حتى تعرف الناس ما حدث.......في قاعة واسعة على البلاتو...ظهر رجل منهم...قدمه المنشط كواحد من خبراء البيئة......قال للجمهور و للناس التي تسمعه على الشاشة.....و على المباشر....
........انا شخصيا أحمل المسؤولية الكاملة للثلوث البيئي....ما حدث لمفجوعة الحسر نشترك كلنا فيها....الأمر لم يعد يطاق....الاسمنت المسلح دمر كل شيء....المصانع العشوائية و دخانها أفقدنا العقل فعلا.....يجب أن نخرج بتصور صحي لأجل الافلات من الدمار......كارثة يا جماعة..........
و بسرعة خطف منه الميكرفون عالم النفس الجالس بجانبه....تنحنح قليلا....و ظهر يتحدث للجمهور و للناس كما كانوا يسمعونه بصوته الحهوري و كأنه كان يلقي محاضرة.....بعد أن شكر مؤسسة التلفزة على مبادرتها
.........اني أحدر المجتمع من ظاهرة الحب المستحيل.....نعم الحب المستحيل ؟؟؟؟؟..الطاهرة... التي بدأت تستفحل في مجتمعنا....هده احدى نتائجها.....يجب أن نفتح صدورنا لبعضنا ..الحب هو الحل يا جماعة.....و لا سواه....؟؟؟؟؟؟ ما ان أتم الرجل تدخله حتى تناول أحد الكتاب الكبار في البلد الكلمة...بدأ و كأن به يتمايل في قعدته....يعدل في ربطة عنقه أكثر مما يجب...و بصوت خافت.تخللته نبرة شاعرية.....قال..
.......ما حدث في المدينة ليلة أمس أيها السادة....و هو ايضا كلامي لسكانها....هو بداية انقراض حقيقي لقيمة الجمال....نعم ..الجمال....المنتحرة قيل أنها كانت جميلة جدا...و فوق التصور....و من شأن هدا الغياب للجمال أن يهدد روح الابداع في المستقبل...؟؟؟؟؟؟ عن أي شيء سنكتب ادا ما أختفى عنصر الجمال.من حياتنا و من البلد....؟؟؟؟؟؟ هل سنكتب عن خبز الفقراء....عن البطالة ؟؟؟؟ عن المتسولين ؟؟؟؟ عن الحرية ؟؟؟؟؟؟؟ لا....انها مهزلة....؟؟؟؟؟؟؟؟؟
و قبل لحطات قليلة من انتهاء الندوة الحاسمة..أقتادوا ضيوفهم الى قاعة هي الاخرى كبيرة....حيث أقاموا على شرفهم مأدبة عشاء فاخرة و من بعد أطفأ ناس المدينة أجهزتهم السحرية و نامواااااااااا
تداخلت الفصول...و مر عام على الحادثة....و أقبل صيف اخر....في نفس المكان و عند الغروب نفسه...عاش الجسر فاجعة مماثلة.....مراهقة تشبهها....تتقدم بخطوات شجاعة نحو الجسر الرهيب...تلقي بشيئ ما......ورقتها....وصيتها المجهولة على الأرض و في لمح البصر يعانق الجسد الناعم المتوتر صدر النهر.الجائع.. الشره ؟؟؟؟
و على غير العادة.....حدث الاستثناء....خرجت أفواج الناس الى الشارع....حملوا لافتات عريضة كتبوا عليها....نطالب بهدم الجسر فورا....لا نريد الجسر......حطموه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟............و لحظتها لم يعد بالامكان ترك الجسر على حاله...و كما أرادوا...تم هدم الجسر و أنتهت صورته من أعالي المدينة.....؟؟؟؟؟؟؟؟؟
بعد سنوات أبتكرت الجميلات في المدينة نفسها أصنافا جديدة للموت المستعجل أكثر تطورا و سرعة من السقوط من على الجسر....و تاهت معالم البحث عن سر ما يحدث...لانتشارها المريع مع موسم كل صيف....كل الفصول و كأنها تتجمد مع غروب كل ليلة ..