/

مقالات نقدية

أنتولوجيا الابداع

هوامش الإبداع

بورتريه قصة بقلم محمد مصطفاوي

قصة قصيرة....... بقلم
محمد مصطفاوي..... 

                             بورتريه.........

ظهر سعيد فكار.... من منعطف شارع غير منتظم الخطوط....كانت تبدو الطريق التي جاء منها طويلة..هابطة...و ضيقة على نحو مخيف..تعطي انطباعا أكيدا لصورة شخص تتخيله و قد صعد للتو الى دنيا جديدة أنتزعنه قهرا من دنيا الأسفل..أسفل ما تكون علبه الأرض ؟؟؟ و قد أطلقت روحه فجأة نحو فضاء واسع الحدود...كان مرهقا...شعر بذلك الاجهاد الذي أستهلكته مسافة الرحلة الطويلة فأمسك بزاوية الحائط بشيء من الاصرار على الثبات..ألتصق به مغالبة لأي سقوط قد يحدث..وجد نفسه على قدر كبير من من مقاومة الارهاق و صد أية تشويشات على الفكرة التي قطع من أجلها كل هذه المسافة.....هو بعرف أنه قطعها ألاف المرات...بل يذهب الى أبعد من ذلك...يعتقد أنها هي التي قطعته..؟؟؟؟ هذه الطريق الهابطة أبدا....منذ رأى نور دنياه مارس هبوطه الاضطراري ياستمرار مع ذهابه و رجوعه.....هذه المرة ستذهب به الفكرة بعيدا..الى شكل اخر من الحياة ستروق له....تذكر سعيد فكار تاريخ صعود الفكرة الى رأسه و هو لا يزال ملتصقا بالحائط..لم تكن شيئا مهما من قبل لتدفعه الى فحصها من كل الجهات.. تمتم بصوت هامس...
......طبعا هذا أكيد....الناس في الغالب تهمل الأمور البسيطة..يا سعيد...يا أنا...؟؟؟
و أنزوى يستعرض تفاصيل ميلاد فكرته....حادثة بسيطة أفضت لقرار مدهش...ومثير....و مصيري....كانت حياته ستستمر طبيعية بنفس الوتيرة التي تعود عليها... لو لم تمزلق قفة الخضار من بين يديه. لما كان عائدا الى بيته ظهر الخميس الفائت... ظهرت له الطريق لأول مرة في حياته بشكل اخر....مخيفة و أكثر ضيقا.... مثل وحش أسطوري يشهر مخالبه...شعر لحظتها بالغربة....و الخوف....وجد نفسه يتقزم....يتحول الى الى حشرة صغيرة..بل الى ذرة رمل..وسط صحراء ممتدة الى ما لا نهابة....أرتعش كل الجسد...فأنزلقت القفة....تدحرجت أمامه....راح يتدحرج.. خلفها...كان جسده يأخذ وضعيات تدحرج مختلفة لفقدانه التحكم في أعضائه المنهوكة...و المفزوعة....؟؟؟ و لما توقفت عملية المطاردة الدراماتيكية بانتهاء الطريق الهابطة أبدا.....كانت الرأس قد أرتطمت بكتلة حجر....تكون قد أيقظت ذهنه الهابط..أبدا مع الطريق ؟؟؟؟ وجمع ما تناثر من حبات الخضار....أودعها قفته ثم جمع يصعوبة قواه النتهارة....أنطلق السؤال ينهش رأسه......
.......هل يمكن لي أن أصعد و لو..مرة واحدة في حياتي....؟؟؟؟؟؟؟

أخذ معه السؤال في تلك الليلة و شرع يقلبه على كل الجهات....تحول السؤال الى مجموعة أسئلة تبحث في جدوى البقاء.. على هذا المستوى من الهبوط في الحياة.....تتلمس باب الخروج الى الخلاص....وجد نفسه مشدودا لدائرة لا قبل له بها.. تدعوه لتفكيكها.. للتحرك خارج نطاقها.المتأزم....و التحرر..؟؟؟؟ هكذا كان يفكر سعيد فكار....و بعد طول تنقيب...عن المخرج...لقي الرجل في ذلك الظلام الكبير.. نقطة انطلاقه...من اخر الأسئلة التي بقيت تبزغ في ذهنه...من أنا ؟؟؟؟ اني أفكر...اذن فسوف أصعد......ليس ثمة ما يشجع على البقاء... أيتها الغربة الكبرى أنصرفي من رأسي ؟؟؟؟؟
كأنه أكتشف بل أدرك سر هذا المستوى من الحياة...و أدرك غربة المكان.... بعيون مفتوحة على الحقيقة...المكان الذي يسكنه...منذ السلالة الاولى للعائلة....يرى لأول مرة صور العائلة... مرتبة حسب التاريخ. الزمني في ركن ما من الطاولة على يميته.....لم يعد الظلام يفسد الرؤية...ينيرها بشدة...؟؟؟؟ في اخر الصور..اخرها و أشقاها....والده هذا الذي كان بمقدوره أن يخرجه من هذا النطاق...كان بوسعه أن يصعد لو فكر بطرح الاسئلة... يحتزل زمن الشقاء....في زمن ندرة هذا النوع من الاسئلة...
في عصر الوالد....يتذكر عبارة والده الشهيرة التي كان يرد بها على الذين كانوا يطلبون منه أن يتحرك......

.......أنا لا أريد ثمن الواجب...اتجاه وطني....ثم أنا كان حلمي الاستشهاد....مستورة و الحمد الله...أنا لست مثلهم....
و ينقل سعيد فكار ذهنه الى غربة اخرى.... المحيط الذي يخنقه..الان....الناس من حوله وكأنهم يتلذذون باختناقهم الأبدي...؟؟؟؟ متعة البؤس.....هؤلاء يهبطون معه كل يوم...كل لحظة....من زمن بعيد...بلا أسئلة بلا أدنى حركة...كيف يمكن أن يتخيل عالما....مدينة.. قرية... بدون هؤلاء....أكيد سيكون طليقا و رائعا هذا الكون من غيرهم......ظل الرجل يصرخ في الظلام....و يردد فكرة الصعود بغضب عارم....غدا سوف أصعد.ليس ثمة ما يشجع على البقاء..........
تخلص من ملامسة الحائط...تطلع الى الناس من حوله في الساحة الكبرى..و هم يتحركون بطريقة منتظمة...فوق شتى الأماكن....ليست هناك اية عوائق تمنع تحررهم من المشي...تفطن لذلك لحظة أن أقترب من أحدهم.شاهده يسير و هو يقرأ الجريدة و يطوي ايضا.. قي الطريق الصفحات..و يدخن.يمارس نشاطا حياتيا متعددا في لحظة مشي واحدة...؟؟؟؟ أنتابنه ضحكة من الأعماق لما تذكر يوم تدحرجه التاريخي...مع قفة الخضار...أمتلكه الفضول اكثر في مراقية العابر فسار خلفه..رأى امرأة ما تتحدث معه ثم راهما منتشيان معا في غاية الفرح....تذكر يسرعة...حلومة.....فخانته خطواته حتى كاد ان يصطدم بشخص.عابر اخر..جائته الشهقة من الداخل فتأوه. ياستياء.....أخرجي من رأسي أيتها ال........... بعثت الذكرى فيه الأسى...هي الاخرى كان بوسعها ان تنتظره لتراه اليوم يصعد.....حلومة أدركت أنه لا يستطيع أن يتحرك لذلك صنفته من بين العملات القديمة التي كان يجب تجاوزها...وجدت في طريقها رجلا جاهزا فتزوجته...لا يهم كيف هو...شيخ كان في أرذل العمر يملك الكثير من الحديد...حلومة كانت حبيبته..صديقته..كانت هي العالم....عرفت كيف تأكل الخبز في زمن الخبز ؟؟؟؟؟ أزاح الشريط الأسود بعيدا و قد كف عن مراقبة الشخص العابر و امرأته.أنشغل بفكرة الصعود.ألحت عليه يشدة....في وسط الساحة الكبرى كان لا يزال يمشي سعيد فكار...ظهرت له البناية الكبيرة الشامخة الصاعدة البيضاء... لعض الأمتار و يصل..يكون هناك...انه الان أمامها...وقف قبالة الباب.دفع بيده دفتي الباب.الحديدي..مشى بسرعة أستقر في المصعد....طار به الى أعلى و اخر الطوابق ..سار في الرواق الطويل.بهدوء هذه المرة...شعر أنه ينتعش....في جانب ما لمح صورة كبيرة....بورتريه....معلق على الجدار...تمعن كليا في الصورة..امرأة جميلة بثوب أخضر تضع منديلا أحمرا على رأسها و هي ترضع صغيرها...أعجبته الصورة...أبتغد عنها..و أنطلق منتشيا ناحية الباب المعلوم...كما لوكانت الصورة تطلب منه ان يتطلق...طرق عليه...سمع صوتا باردا يأمره بالدخول.دلف الى المكان الفسيح الأنيق وجد المكتب مرتفعا يشكل غير طبيعي عن مستوى الأرض..أندهش لهذا الارتفاع السيء..ظهر نصف وجه الرجل من خلال المقعد الذي يجلس عليه... كان قد أخفاه المكتب تماما...؟؟؟ أشار له الرجل المكتبي يأن يقترب ليجلس على الاريكة..لم يفهم الكيقية التي ستسمح له بالجلوس..بقي واقفا لا يتحرك...جاءه الصوت البارد...

.......تستطيع أن تجلس...يمكن أن أسمعك......
أضطرب من المتاهة التي وجد نفسه فيها..فأجاب باستنكار....
.......أنا لا أستطيع أن أجلس في مكان أنت لا تراني فيه جيدا.أنا أريد أن أراك و أنا أتكلم ؟؟؟؟؟
أعاد الرجل المكتبي نقس كلماته تقريبا و بانفعال......
.......و لماذا أنت بالذات.......؟؟؟؟ اما أن تجلس بطريقتي التي أعرفها و أرتضيها لنفسي و للبلد أو أنصرف مع ألف سلامة......؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لم يهزه انفعال الرجل المكتبي.بل ظل كما هو...في مكانه الثابت...بلا خوف....و هو يرى نصف وجه الرجل يحمر من شدة الغضب و الخوف..نعم....حتى الرجل بداأ يخاف منه...رغم أنه لا يظهر له بوضوح....رد عليه كالواثق من نفسه.....
........و لكن أريد أن اصعد..و أنت تصر على بقائي في تالأسفل.يجب أن تستمع لي...لقد سئمت من الهبوط...هل تفهم..؟؟؟؟
و تحرك في اتجاهه كالثور الهائج....رأس الرجل المكتبي بدأت تهتز...من بعيد...و هو يرى اندفاع الاخر ثم تسلقه علو المكتب...؟؟؟؟ و رمى بكل قبضة يده على سطح المكتب.و الجسد ينأرجح في الهواء من التسلق الغريب...نزلت القبضة بقوتها....أهتز المكتب....وقف شعر رأس الرجل هناك فظهر وجهه بصورةجيدة.....بدت قسماته واضحة الان......انه هو....الشكل ليس غريبا عنه.....مثل ومضة البرق اشتعل الماضي من يعيد...في دهاليز الذاكرة.....تذكر والده في صباه......والده كلما صادف هذا الرجل في منعطفات الشارع و حديثه عنه...لا يزال يتذكره.....نعم هو...هنا...كيف جاء....كيف وصل الى هنا... ؟؟؟؟؟يصرخ في وجهه...و هو لا يزال في حالة تسلق.......

.......هل أنت هو...؟؟؟؟؟؟...نعم انت هو.... مازلت أذكرك ..صورتك.....أنت الذي أشرفت على تعذيب والدي..أيام الثورة.. يا لنذالة الدنيا......؟؟؟؟؟؟
أنهارت مقاومته تماما....هبط من أعلى المكتب......شعر أنه يتقزم....يتحول الى خشرة صغيرة....الى لا شيء....و لا بصمة....حمله وجهه المخطوف الى خارج المكتب...مر على الرواق وقف أمام الصورة الكبيرة...الجميلة...أنتزعها...من مكانها بجنون و راح يدوس عليها بقدميه بهستيريا حتى أضحت بقايا منثورة على طول الرواق.....لم يتركها الا و الصخب يملأ كل مكان من البناية الكبيرة البيضاء.....أستطاع سعيد فكار أن ينفلت...هبط مثل ما جاء بالمصعد سريعا....خرج من البناية......و أختفى.....كومضة برق أختفى سعيد فكار.....