قراءة في قصة ستار للقاص محمد الكامل بن زيد بقلم الناقد إسماعيل دراجي
بقلم إسماعيل دراجي
إن جولة خاطفة في نص القاص محمد الكامل بن زيـد الموسوم بـ ستار عبر ما يُسمى بالبنية النوعية(1) والإجراءات التزيينية التي تعتري هذا النص للوقوف على مدى تقبل اللفظ للمعنى أو العكس إذ سرعان مانستشعر أن هذا الانسجام لن يستمر طويلا حيث يتدخل ما يعرف بانقطاع الإحالة،فيكون التجاوز في إنتاج الدلالات المختلفة التي تحملها الألفاظ لتترك أثرها لاختلاق دلالات أخرى وليدة انزياحات يستكشفها المتلقي وهو يغوص في أعماق الأثر.من مثل: واختار أن يتوقف برهة عند أبواب أحلامنا / وتحجرت الدموع/ فتملكني الرعب المارد.......
يوظف القاص شيئا من التراث المتمثل في الاقتباس من القران الكريم كما في قوله (...كالعصف المأكول) أو من السنة كما في قوله( رفعت الصحف وجفت الأقلام ) وان كان الترتيب عكس ذلك في الحديث وهو ما يعطي للنص محطات مشرقة وتنم على تشبعه بالثقافة الدينية وبتتبعنا لمجريات وسيرورة السرد النامي يتبين لنا أيضا توظيفه شيئا من الموروث الاجتماعي كالتشاؤم من رؤية الميت في المنام للاعتقاد السائد بين الناس أن مجيء الميت في المنام مقدمة لأخذه أحد أفراد العائلة وقد يخالف هذا التفسيرَ الحقيقي كون رؤية الميت بشارة خير ونماء .
في النص شيء من اللاواقع حين نجد القاص وكأنه يتنصل من الواقع في حديثه عن أحلامه حيث تكررت اللفظة أربع مرات في سياقات متشابهة تقريبا ومن قبله الأرق القاتل ... لم أستسغ / هل حقا علمٌ أن جدي.. واختار أن يتوقف برهة عند أبواب أحلامنا ......
وكذلك وهو يواصل بحثه عن جده رغم ما حل في بيت العائلة الكبير من أمر خطب دفع به أن يأمر زوجه وأبناءه للذهاب إلى هناك من دون أن ينبس أحدهم ببنت شفة على حد تعبيره حتى لا يفسدوا عليه انشغاله .وهنا يمتزج النوم باليقظة و الحلم بالواقع وهو أمر جميل ينم على قدرة الناص ويضفى على النص شيئا من العتمية المشرقة ويفتحه على عديد القراءات.
إننا نلمس شيئا من التكثيف وىقدر ما دل على قدرة الناص الإبداعية والتحكم في سيرورة نصه بقدر ما جعل النص يقصر حتى يحرمنا من التمتع بجماليات كان بإمكانه ألا يحرمنا منهان،
وكان منه أن يقف طويلا مع ذلك الحلم المفزع وهو يترجى جده ألا يفعلها هذه المرة لأنه هنا بصدد نسج خيوط حبكة وبناء مشكلة أو ما يعرف بمصطلح العقدة أو لحظة التأزم والتي لابد أن تشد القارئ مع ما يظهر عند القاص محمد الكامل من رصيد ثر من المفردات والمعاني لكن ما وقع هنا خلاف ذلك وربما قد يشفع له هو انه كان على عجل ليلاحق جده في الحلم حتى يصرفه عن غايته التي هي محزنة اسودت من خلالها اللباس واسودت الابتسامة المتكلفة على مضض منه.
كانت نهاية القصة تحمل شيئا من الإبداع بما فيها من الانفتاح الواسع والذي يبعث نشاطا للقراءة لدى المتلقي كنهاية شبه مفتوحة على عديد القراءات(...أبحث عن العزيز أيضا أبحث عن أمي )
وللعزيز دلالات كثير لعل أقربها هم الأحبة الذين أخذهم الجد من دون رجعة أو هي الأم التي يبدو أن قبضة الجد لم تفلتها هذه المرة أو هم الأحبة الذين لايزالون لم تدر عليهم الدائرة وقد تحمل دلالة لاحتماء بالأم لما تحمل من تضحية وحماية له ...كل هاته التخريجات وغيرها تشترك في تلك العتبة المتمثلة في العنوان (ستار) هو بهذا يسعى جاهدا لبناء ستار عازل وحام يحول بين أحبته وبين طيف الجد الذي كلما زارهم إلا وأَخَذ منهم حبيبا ولذلك لجا إلى هاته العتبة المناسبة كمنفذ لمعضلة تكررت لينقذ ما أمكن إنقاذه من ويلاتها وآلامها كل هذا يبرر اختياره ـ وهو يهم بمغادرة نصه والخروج منه ـ لعتبة العنوان.