انزعاج بقلم الأستاذ قدور بن مريسي
انزعاج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بقلم الأستاذ قدور بن مريسي
ينزعــج بعــض الشعــراء و القصاصيــن و
الروائييــن ، عندمــا يسألــون عـن معنـى و دلالــة عنـــوان مــن عناويـــن
أعمالهم ، و يتحججون بأن الكاتب لا يشرح أعماله ، نعم هذا صحيح ، لأن هذه المهمة
هي مهمة النقاد ، لكــن لامانـــع للكاتب أن يبرهن على اقتداره و تمكنه و توفيقه
في اختيار هذا العنوان .
إذا كانت الفاتحة ( فاتحة الكتاب ) تشكــل
ظاهــرة تناصيـة تستمــد دلالتها من تلاقي النصوص ، فإن العنوان على العكس من ذلك
، يثير تساؤلات لا تلقى لها إجابة إلا مع نهاية العمل الأدبي ، و تعتبر العلاقة
بين النص و العنوان الرسالة الأولى التي يسعى الكاتب إلى تبليغها للقارىء ، بهدف
إثارة فضوله و تحريضه على القراءة النص ، و يدخــل العنــوان و النص في عملية
ترابطية الأول يعلن و الثاني يفسر .
إن اختيار العنوان ليس رأسا مفصولا عن الجسد
، فالأحسن للكاتب إذا سئل أن يجيب شارحا أبعاده و انزياحاته وتقاطعاته محققا فضل
السبق على الناقد الذي قد يطمس هذه الأبعاد و المعاني ، أما الناقد المتمكن فيضيــف
أبعــاد و دلالات أخـرى إيجابية لم تخطر
على بال الكاتب نفسه .
ذات مرة سئل الروائي "أمين الزاوي " عـن معنى روايته "
عسل القيلولة " ، فانبسطــت أساريــره ,و لــم ينزعج كأنه كان يتمنى هذا السؤال .ومما جاء في جوابه
: أن القيلولة مقدسة و لازالت عنـد العــربي ، وخاصة في أيـام الصيف فهي تقســم النهــار إلـى نهاريــن ، يمارس فيهـا
العربي طقوسه من ملذات حسية و جسدية ، و قد نقل العرب هذه العادة
( عــــادة القيلولـــــة ) إلى الأندلس
فأصبح الإسبان يقيلون ...و مازالوا .
سألت ذات يوم الشاعر" عقيل بن عزوز" عــن معنــى عنـوان ديوانه "
الأفعى "
فأجاب و أطال فــي ســرد قصــة الأفعى منذ بدء الخليقة ، إلى سفينــة نــوح
و الطوفــان ...إلــى معتــقدات الشعــوب و نظرتها إلــى الأفعـــى كرمــز للداء و
الـــدواء ..إلخ . حتى تمنيت أن يسكت ! بمعنى حصلت !
مثلا عنوان رواية " نوار اللوز لواسيني
الأعرج " . هل اختار عبثا اسم نبات لروايته ! ؟
في رأي المتواضع شرح و توضيح معنى عنوان العمل الأدبي يكون أفضل من طرف
صاحبه لو سئل .حتى يعطيه حقه لأن هذا العمل الأدبي قد من روحه و قد خطط له تخطيطا ، أقول هذا الكلام لماذا ؟ في إحدى
الملتقيات الأدبية ، تقدم أحدهم بقراءة في رواية
" كيف ترضع من الذئبة و لا
تعضك " للروائي " عمارة لخصوص " و بـــدأ فـــي مـــا يسمى
بالمناصة " أي العنوان " فأوله
تأويلا أفقده بريقه و دلالاته خصوصا التاريخية و الأسطورية ، فهو لا يعرف الأسطورة
التي تقول إن روما أسسها الإخوان روميليوس و ريموس الذين رضعا من ذئبة و هذه
الأسطورة و ظفها الروائي ضمنيا في العنوان ليعالج قضية الهجرة و المهاجرين الذين
عليهم أن يتأقلموا مع بلدان تختلف معهم في الدين و العادات و التقالليد فعليه أن يرضع الذئبة و لا تعضه .