/

مقالات نقدية

أنتولوجيا الابداع

هوامش الإبداع

صورة القريب البعيد في قصيدة ( أراه ولا أراه ) للشاعر المصري سلامة رماح دراسة بقلم د .حمام محمد زهير

صورة القريب البعيد في قصيدة(اراه ولا اره) للشاعر المصري سلامة
رماح........................دراسة د.حمام محمد زهير (الجزائر)   
    
  .. أراه ولا أراه..(سلامة رماح)
 بعيدٌ لا تراهُ سوى ظنوني  
قريبٌ ليس تدركُه عيوني 
له في الروحِ طيفا كالحياةِ  
ويسكنُ رغم بعدِهِ في جفوني
 فإذا ما قال آهٍ في فلاةٍ 
 أحُسُ الآهَ تحرقُ لي ظنوني
 وإن ذاقَ التبسمَ في بعادي
  تحسُ نسيمَ بسمتِهِ غُصوني 
فإن يأتي الظلامُ على شجوني
 وأذرف دمَ روحي على المتونِ 
وأكتبُ كل آهٍ الف معنى 
ويضحى الحبُ فيها من فنوني 
وإن يأتي الصباحُ وقد تنفس 
على قلبي الذي يحيا بدوني 
أراه ولا أراه ولا أواري 
 فحالُ الحبِ من حالِ الجن

    في يوم كان مقداره " ساعات قصيرة "قضيتها في ضيافة "دار يسطرون  بالجمهورية العربية المصرية "بشارع الملك الفيصل، حيث حضيت باستقبال كريم من  طاقم الدار المحترمة، واوابلغوني ان  الدار متعودة على اقامة ندوات فكرية "بدار  الادباء" بشارع القصر العيني،  واقترح عليا  ان اشارك هناك ، ولم اتعود ..الا "لاغتنم فرصة"  ربما تكون  سانحة  لمعرفة ماهو جديد  ، وبينما  يجلبنا السير عاصفا على متن  سيارة اجرة ، وجدت نفسي في عينها  امرر من  على  جنبات  زوايا  ناطري المندسة  تحت نظارة  طهوية  يسكنها الظلام الممتع ، رايت  "شاعرا"  يلج في عتبات  نصه غير آبه  بمن  حوله من  بشرية  تراود امكنة  تحتذي لارتشاف الشاي الاحمر  ذي" العبرة الابداعية".
    رايته  من بعيد، يمسك بعصرنة على "قلم " مزين  يحاكي  في  حروف  على " سطح الايباد"  بمورنة قياسية جميلة  ، ذلك هو الشاعر المصري "سلامة رماح،"  سلمني ومتعني باراجيز "ابداعية جميلة" وما اكثرها من  مواضيع شعرية " راعئ فيه التفعيلة "، وكان متمكنا منها، فقرات بين سطوره تفوقه غير المعلن في  قرض الشعر  الحر  فجاءت قصيدة (واراه ولا اراه ) مفجرة  لاحساس  دفين تراءى  انه  يحمل  لفتة ابداعية سيكون لها شأوا كبيرا  ينتر هذا القلم الفياض  والسائل  بدون  تكلف..
الظل وما خلفه حكاية لاتريد ان تبدأ:
   كثيرا ما يشدني في قياس الشعر على ناظمه ، ما نسميه بالملكة او الموهبة ، احيانا ونحن نقرأ النصوص نرى فيها تكلفا من المرة الاولى واحيانا  اخرى ، نشاهد ان " الملقن"  يريد ان يقول  شيئا ، لم يصل الى التعبير عنه، بينما وانا  اخالج " مسيرة اراه ولا اره" تلفني روضة الابداع،  ومساراته نحو مناشدة النفس الزكية، التى ترنو  دائما في طبيعتها الاخلاقية الى ماهو  "صريح وجميل" يصنع المعنى في  حدود الاخلاق المرسومة والمتفق  عليها  اجتماعيا ،اذا  كيف تم الاتفاق المسبق لرسم الجمال ؟ .
   نقول في  هذا الاطار ان  البداية كانت موفقة  بعودة الشاعر الى  الاعتراف ، بوجود "حالة بعاد" تكون اما بالهجر او القهرية ، وهو  لم يوضخ في  البداية سببا منطقيا  للبعد ، لكنه  وضعه في  مكان  جيد، كحالة  حقيقية تنتاب النفس البشرية، وحدد له مكانا للرؤية،  حتى  يدخل القارئ في" الغرائبية "ذات  التأثير الملحمى ، فالبعد هنا  لايراه هو بل  لا تراه  (الظنون) ، واذا مار جعنا  الى  فهرسة الظن،  فهو على الغالب " ثورة "على الاحاسيس التى تريد  ان  تقرب  البعيد، متناولا في البيت الثاني "حالة غريماسية " قائمة على التضاد ، ليحدثنا عن "ولادة حالة اخرى مشابهة  للاولى " وهي القرابة  فهنا التنافر الفيزيائي أحدث ،بعدا غير مدرك من الظنون ، والحالة الثانية "قريب" لا تدركه العيون، فلاحى هذا التجانب  في مربع  "غريماس" القائم على محاصرة  التقيض وعكسه كما يحدث في  حياتنا ، لكن  عند" رماح سلامة"  يحدث  نادرا،  بالنسبة للمتغير " البعيد القريب،"  تنتابني هنا "اشارة وصفية" قد  يكون  لها  (منطق فيلسوف)  يبحث عن ادارك  ذات بشرية  تبحث عن اخرى، وهو ما اشرت اليه  بانه "خلف الظل" ، وكعادة (الابداعية)  فيه يخبرنا بمن  هو، مدخلا  تعريفا واجهيا، وذكيا يبلغنا فيه  عن "البعيد القريب "من باب تحديد صفاته وليس كنهه  فهو" يسكن الروح"  معبرا بان  له طيف يشبه الحياة  لانه اقحم  (ك) كاف التشبيه لتحقيقة "الشبيه" ،في هذه الحالة  اخذا المتلقي الى  سكن الاخر في  جفون العين ، هنا  نتكلم عن الترميز ف"السكن "في الجفون ليس كالسكن في العيون والسكن في العيون ليس كالسكن في الشبكية ، فالمساكن  رغم  تنوعها  الا  انه وضع له " مسكنا  غريبا" في الجفون 
تفتيت الآهات وتحديد صراخ الهوية:
    يتوجع الشاعر في حركة تصورية، غير محسومة سلفا بقوله ( فإذا ماقال آه في فلاة) والمعروف بالفلاة المكان المنعزل او الصحراوي او الموجود في التيه ،يشهد نفسه تأوهات جارفة، اخبر عنها انها ان حدثت في الفلاة تحدث تأثيرا يوازي  تاثير الرصاصة السحرية في دراسات الجمهور ،كأن يستشعر  بان "تأوه الالم" قد احرق الظنون، وهي  الشهادة الوحيدة على رؤية المتغيب، وان حدثت له  حالة عكسية او تضاد فان امر التاثير يتفاقم نحو السلب بحيث يخطر ان التبسم اذا  اشرب في البعد يحدث نوعا من الازمة(وان ذاق التبسم في بعادي)،غير ان غصونه كذكريات هي التى تحضر لديه حالة ذلك النسيم الذي يزرع البسمة ، واكاد اجزم ان الشاعر يتخيل او يستحضر صورا "كاريزماتية "حاول وصفها في العلن الا انه لم يصل الى اعطائها اي  "الصورة "مثاليتها وعبر بصورة "بلاغية جميلة "بقوله (فإن يأتي الظلامُ على شجوني) ربما يكون نوما او اغلاقا للعينين بغية عصر الذاكرة ، لكن ماذا حدث له في هذا المنظار ؟ حدث استخراج قيما سلبية، راى انها  تؤثر عليه بشدة  خاصة لما يبدأ في نشر الواحه(واذرف دم روحي على المتون) ويعبر في سجلاته على كل تأوه بالاف المعاني التى كلها  حنين واغتراب لتصوير عشق في غور المتن، لان كتابته "بالف معنى" يطرح الف تأويل لنص جميل يشير اليه من زوايا  شتى ، كلها منطلقات نحو ترسيخ عيارات الحب ، التى ضنها الشاعر في مفاهيمها من  ابداعه الفني خاصة لما أتي الصحو كأنه شاردة كهربائية، تهيئ له الحب على  "سطح الوضوح"، فلكأنما حالة من الهيام قد قفزت  الى ذاكرته في شكل "اعتراف بحالة حب صاعقة" ، ضبطته فبات يناجي البعد ولا يناجيه على شاكلة "اراه ولا اراه،" لان تصميم "المحبة الذاتية "عند الشاعر  اخالها  ذات بعدين بعد يصورنفسه  للاخر  بزرع القيم الجميلة  ، كالوفاء ، والاحساس الصادق، وبعد يصور فيه الاخر  الذي يرمز اليه  دون  إطناب  في وصفه من خلال قوله(وإن يأتي الصباحُ وقد تنفس ...على قلبي الذي يحيا بدوني).
ان قصيدة.".اراه ولا اراه" تشكل حلقة اراد   الشاعر ان يرمم معالمها لتصير "جوهرة" في ذاته ترمز الى ربط ما يعانيه من اغتراب في اصطرلاب الهيام وبين قريحة ادبية مجلجلة تريد ان تفصح عن غنى واضح في استعمال الملفوظات الادبية السليمة، الخالية من التشبيهات المعقدة التى يتعامل بها الكثير من شعراء الهيام،واظن الشاعر قد وضع مساره الابداعي على الطريق الاصح باستعمال المناولة البسيطة في التعامل مع الهيام وحالات اللذة الداخلية باستعمال جميل وجديد لملفوظات في غاية البساطة ادت ما عليها  من معاني  ، وجعلتنا نجزم ان "اسلوبية الشاعر" هنا ليست متوترة بل كانت في  غاية الخفة على المتلقي والتركيز في ضبط رسائله الخطابية المحملة برسالة مشفرة الى الاخر "القريب البعيد"..
   عمقك الوجدي جميل وموهبته ارفع ستشق بإذن الله طورها الحقيقي ،عندما تزيد في استعمال  "الوحدة الموضوعاتية،" فالتشويق وادواته حاضرة لديك ما يعوزها "الكيفية" في  صقل اداة الوصول من الناحية البنيوية التى تذوب في اعماق الفكرة، وقد اشار المبدع الى  كثير من الخصائص اللفظية التى اثبت ما اشرنا اليه سابقا لعنصر التركيز ، متحفا الاخر ببلاغة لغوية ناجمة عن  تحكمه في سرديات العروض مما ادى الى  تحقيق "الموازنة البنائية"  لانه انزل في القصيدة الملفوظ الموازي بالموسيقى..ولم يتدحرج الى رسم الملفوظ بغرض التأثير في المتلقي من اجل التأثير الدرامي كما يعمل المتنمصون  من قراصنة الشعر وبناءته و الذين توجو انفسهم بأنفسهم كامراء وهم في بداية الطريق.
   تراتيبك جميلة وكاني بك رسمت طريقا تسير فيه سيرا رتيبا بما يلائم ثقافتك ولم تستشهد كغيرك بشواهد تعكس معجم  الهيام ، لانه لو فعلت لارتبك المعنى، ولا ادركنا كنه التأثير التراجيدي لقصص السابقين عليك، والشاعر العظيم هو الذي يرسم طريقه بنفسه لا بشواهد الاخرين او برسم ملفوظاتهم ، وفي (اراه ولا اراه ) قدمت لنا نصا في غاية الجمال ، يكاد يتزن اتزانا ايكولوجيا..ولنا عودة...لنصبر غورك في اعمالك اللاحقة.