/

مقالات نقدية

أنتولوجيا الابداع

هوامش الإبداع

صورة المدينة عند القاص الجزائري عبد الوهاب بن منصور في مجموعته في ضيافة إبليس بقلم حفيظة طعام


صورة المدينة عند القاص الجزائري "عبد الوهاب بن منصور"
قـراءة  في مجموعته القصصية "في ضيافة إبليس"

بقلم : أ.حفـــــــيظة طعام



عن دار أسامة للطباعة والنشر ،وفي حلة أنيقة صدرت للكاتب الجزائري عبد الوهاب بن منصور "مجموعة قصصية تحت عنوان " في ضيافة إبليس" ،تحتوي المجموعة على خمسة قصص كسر الكاتب من خلالها طابوهات اللغة غير المألوفة العادية وبنا بالكلمات سرحا لإبليس واستضافنا عنده  نستلذ الجنون وننعم بلعنة الإبداع .....
لم ينهج القاص من خلال مجموعته نهجا تقليديا في كتابة القصة .فهو قد تجاوز التكنيك المألوف في القص وفي بنية السرد وفي توظيف اللغة الشعرية والجرأة الفنية والغموض وتكسير المفاهيم السطحية والمعاني الشفافة ،بداية من العنوان  "في ضيافة إبليس " ولعل ما يلفت انتباه قارئ المجموعة ـتفوق الكاتب في تصوير وطأة الاغتراب كحالة إنسانية تسببت فيه المدينة وما يحدث داخلها من تناقضات أربكت الشخصية وجعلتها تشعر أن المدينة وإبليس شيء واحدة بل هي إبليس بعينه.
والملاحظ أن الكاتب شوه صورتها في كل القصص مما جعل القارئ يكون صورة واحدة ووحيدة في ذهنه للمدينة موافقة للصورة البشعة التي يحفظها في ذهنه لإبليس ..فالوجهان قد اتحدا وكونا وجها واحدا .يقول الكاتب :"البرد حبال غليظة من مسد تقيد العباد عن السير ...وأنا أجوب شرايين المدينة...أتشمم رائحة القحط والموت..."ص 17.وفي موضع آخر يصفها بقوله:"لماذا أصر على تسمية المدينة بالمرحاض؟؟؟"ص72.
فالكاتب قد اكسب المدينة ملمحا طوطميا ذو نزعة وحوشيه وبطش حيواني يكتنف آدمية الإنسان لذلك عاشت الشخصية قلقة ،خائفة ،غريبة ...في مدينة تشوهت كل معالمها الحضارية والاجتماعية وقد شكلت المرأة في المجموعة شاطئ نجاة وهروب تلجا إليه الشخصية باحثة عن الحب والآمن والإدمان ولو بالحلم :" ...وقد تدلى شعرها الطويل وغطى نهدها الأيمن ...وأطيل النظر فيها دون ملل ...وحلمت بها ليال كثيرة إلى جانبي تقاسمني فراشي ...في الصباح....ابكي كثيرا لبقائها بين أربعة جدران ...صماء.. .بكماء ....خرساء ....تعذبني ...أني أحس بشيء من الألفة ناحيتها وانبش في ذاكرتي لعلي أجد سبب هذه الألفة....وهذا العذاب...." ص 10.
ويقول :" إيه يا ربيعة ....افتقدك الآن......... أبحث عن وجهك في هذه الشوارع التي غابت عنها الحركة منذ أن تركتها الشمس ...وابحث عن اسمك في خربشات الجرائد وكتابات الجدران ...وفي كل منعطف أرى العراف يقهقه...."ص 29."حين أحلم بالوصول إلى ذروة العشق ينقطع الحلم ..وتختفين فاخرج باحثا عنك في بقايا المدينة..."ص44.
هكذا جاءت المرأة صورة مناقضة للمدينـــــــــــــــــــة وهكذا توحدت صورة المدينة بصورة إبليس فتكونت بذلك أجمل صورة فنيا وأبشعها إنسانيا فالكاتب قد استبعد كل الصور التشبيهية المألوفة واستحضر صورة أقوى دلالة وأكثر عمقا ...صورة إبليس كغواية فنية وجرأة أدبية وتعرية مغتصبة وعنيفة لواقع مدننا الموبوء.
وفي الأخير أضم صوتي لصوت الدكتور أمين زاوي عندما وصف المجموعة بأنها توقع ميلاد "صوت قصصي جاد وجديد يمكنه أن ينوع الإيقاعات المائية للكتابة في وهمها الّلا متناهي........"
ويمكن القول في نهاية هذه القراءة المقتضبة :
أن "في ضيافة إبليس "مجموعة قصصية متميزة تستفزك بقوة لتقرأها وتتمعن في غرابتها وتجعلك تقبل استضافة إبليس لك بكل أدب ووقار....