الكتابة بالسخرية في المجموعة القصصية أنا الممضي أسفله للكاتب محمد بلقاسم الشايب بقلم حفيظة طعام
 الكتابة بالسخرية
الكتابة بالسخرية في المجموعة القصصة "أنا الممضي أسفله" للكاتب محمد بلقاسم شايب.
أ.حفيظة طعام
تعد المجموعة القصصية "أنا المضيى أسفله" أول عمل إبداعي للكاتب محمد بلقاسم الشايب من الجزائر عن منشورات الجاحظية الجزائر العاصمة، و تحتوي المجموعة على اثني عشر قصة، تختلف في العناوين و تشترك في نفس القيمة الأدبية و الفنية، و تسلط الضوء على قضايا اجتماعية متداولة في المجتمع العربي و الجزائري بصفة خاصة عالجها الكاتب بأسلوب ساخر، فتحولت السخرية عنده رهانا هاما من رهانات الكتابة .
و في كتابة نظرية الرواية يعرف جورج لوكاتش السخرية على أنها: "تدل (...) من حيث هي مكون للجنس الأدبي الروائي على أن الذات المعيارية و المبدعة تنشطر ذاتين، إحداهما هي تلك التي تجابه، من حيث هي هوية، القوى المركبة، الغريبة عنها و تجهد في سبيل جعل محتواتها نفسها تختم على عالم غريب، و الأخرى هي التي تكتشف الطابع التجريبي لعالمي الذات و الموضوع، و بالتالي طابعها المحدود"( ).
و تعد السخرية أداة إجرائية لتحقيق أهداف عدة في العمل الإبداعي و قد تتعدى ذلك لأن تصير عنصرا أساسا، داخل العمل الروائي و ناظما له، و بذلك هي تساهم في بناء المتخيل و رسم الشخصيات و تؤثر في طريقة السرد، و كذا الوصف و الحوار.
تختزل مجموعة محمد بلقاسم الواقع و ما يحيط به من تناقضات و مفارقات و تواترات في قالب قصصي هزلي تغلفه السخرية، تؤطره من خلال اتقانه لاختيار شخصياته بعناية .
كما تحدثت بعض شخصياته على لسان الحيوان و في ذلك تأكيد على حضور السخرية و إظهار لتجلياتها و قدرتها على تصوير الواقع و إبراز تناقضاته ليس من أجل الإضحاك بل من أجل إيصال هدف و رسالة و تعرية للواقع و تصويره للقارئ في قالب أكثر جاذبية.
و نحاول من خلال هذه الورقة إبراز مدى تأثر الكتابة بالسخرية على تصوير الراهن و كيف تتحول السخرية إلى تقنية أو أداة للكتابة.و تتأسس السخرية في هذه المجموعة القصصية على أساس المفارقة الضدية، فالواقع المعاش واقع متأزم، منحدر نحو مستوى متدني، على جميع المستويات و هذا التأزم انعكس على طبيعة السرد عند القاص فجاء بطابع سخري لاذع بحسب حدة الأزمة.
يصور الكاتب الواقع ساخرا على أنه مرير، أنظمة حكم فاسدة، و انحطاط في الأخلاق، و تدني لقيم الحب و التسامح.
و لا يجد كيف يتخلص منه إلا عن طريق الهروب بالأحلام و الحنين إلى زمن الطفولة و الماضي الجميل.
فجاءت معظم الشخصيات الموظفة في المجموعة يائسة من الزمن الحاضر و متضايقة و رافضة و ساخطة.
فانتهت بذلك إلى التوتر النفسي و عدم الاستقرار.
و بذلك نجد أن المجموعة القصصية بعرضها على عنصر التوتر أنها تستجيب له و تتفاعل معه فتحقق السخرية و تتجسد أكثر، و سنحاول من خلال مايلي توضيح أو رصد حالات تحقيقها رجوعا إلى المجموعة القصصية.
أولا: على مستوى وصف و تصور الشخصيات:
على مستوى السرد، على مستوى الزمن، على مستوى المكان.
ثانيا: على مستوى الأشياء.
أولا: على مستوى الشخصيات.
لعل أول ما يلحظه قارئ مجموعة محمد الشايب بلقاسم، هو عدم كثافة الشخصيات لكن حضور الموظف منها بقوة و تصوير الكاتب لها بدقة غطى ذلك الجانب و ألبسه حلة جميلة خصوصا في قصة الطوفان الوحيدة التي شهدت شخصيات عدة تلبست صفة الحيوان لغرض يرجوه الكاتب و قد صور من خلالها تطور النمو الحضاري عند الإنسان و قد كانت الغاية مصرحا بها ، لهذا لعبت الحيوانات الدور بجدارة ممثلة شعار البقاء للأقوى و الأذكى و الأمكر.
و لعلنا سنركز هنا على ما تحمله الشخصية من سخرية و كيف ساهمت السخرية في تكوين الشخصية.
نختار بعض النماذج التي نرجح أن الشخصية فيها وصفت بسخرية و تحملت السخرية.
في قصة: امرأ ة ... في خطى الكلب.
يصور الكاتب الشخصية الرئيسية بسخرية لاذعة، فهو رجل قهرته الظروف و الطبيعة و القدر فلا شيء يدعوه للتفاؤل، الخطيبة هجرته و كل شيء يسير عكس التيار في حياته يقول الكاتب: "استلم سلاحه و وضع رجله على أولى درجات سلم مقصورة الحراسة منهك القوى، روحه على رأس أنفه ...سوار مسفوح على وجه و كأنه قادم في عالم آخر....." ض: 14
فهنا نجد وصفا ساخرا... و في وصفه للحالة النفسية يقول الكاتب: "أخبار الشر تترى و أيام كلها تدعو الى حزن لا يحتمل... حتى أنه لم يعد قادرا على الحركة،فكلما وضع رجله على درجة احس بتيبس ................................................ الحروف"ص: 14.وبسخرية أكثر توترا ي يصف الكاتب شخصيته بقوله:
"كان كتمثال على منحدر ينتظر السيول لتحركه جملة إلى حيث يستعيد شموخه...هاهو يعصر مخه .............." ص: 15.
فنلاحظ هنا أن السخرية تحققت من خلال وصف حالة الشخصية النفسية و الجسدية و رصد حدة تواتراتها و يأسها من الواقع أو الراهن.
و في نفس القصة يصور و يصف الكاتب شخصية امرأة ريفية بقوله : "زوجة ريفي بسيط تلتحف بملاءة سوداء تضاعف حرارة الشمس ...لا يظهر منها سوى قدمين ملتهبتين من حذاء المطاط –النيلون- ... كذلك"، ص: 17.
و لعل العنوان "امرأة على خطى الكلب" تجعل السخرية أكثر وضوحا.
و في موضع آخر يصور و يضيف الكاتب شخصية غريبة ممثلة في شخص جول "كان يأتي..... الأصغر"، ص: 35.
و قد رصد الكاتب رأي الشخصية العربية فيه أو وجهة نظر الشخصية للشخصية الأخرى في نفس القصة: "يا وليدي هذا برد الجلفة الكاسح ...انك لا تعرفه لا تعتقد انه مثل برد باريس الرطب...........لم يمر عليه عام واحد حتى حمل معقولا من داء الروماتيزم ومقتنع بحكمة الأعراب.... ".ص36.
و يختم الكاتب قصة شخصية الأوربي بقوله: "لفضته المدينة كاي طارق متعال ،وقبل أن يشحن إلى أوروبا ألقى نظرة أخيرة على البلدة ... المفلسين".ص36.
فهنا اتحد الوصف شكل إبراز المفارقات بين مجتمع عربي و مجتمع أجنبي ممثلا في شخصية جول و رصد حالة توتره ن العرب و توتر العرب منه بطابع ساخر و لغة مستهترة عنيفة و جريئة.
كما اعتمد الكاتب السخرية لوصف الشخصيات بطريقة هزلية تحقق ذلك أكثر في قصة العرش إلى صور فيها الكاتب نظام الحكم و كيف أنه يسير في شيء إلى أسوء من خلال ثلاث شخصيات لمثل أنظمة حكم مختلفة (أحمد، امحمد، أحميدة....
و يسوق الكاتب حديثا استشرافيا لكل شخصية إذا ما استلمت نظام الحكم، ماذا هي فاعلة؟
"قال أحمد لو قدر لي ان احكم هذه البلدة الطيبة فسأعطي كل ذي حق حقه....اخرج الناس من وطأة الحرمان والفقر ...انتشلهم من حمأة الجهل والاغتراب والتهميش ....ارجع هيبة هذا الشعب المنهار ...انزع السجون...أغلق اوكار المجون واحكم بيد رحيمة ." 52.
قال احميدة":
"آه لو يحط الطائر على راسي أو كتفي ..سأدخل على المدينة عهدا جديدا..أوقف الجالس واقعد الواقف اجعل من هيبة الحاكم هاجسا .......القطط" 53.
عندما يستعير في صفات الإنسان، و يعيد الكاتب ذلك بأسلوب هزلي ساخر يبعث على الضحك "عندما قرر الذئب الزواج اختار ارملة وديعة .
وبينما هو يمشط شعره ويلعق قوائمه ويسن أسنانه وأظفاره مر وفد من الحمر المستنفرة وجبوه على عجل
-مبروك
-مبروك .................... نبرك"، ص: 64.
و قد اعتمد الكاتب الوصف لإبراز المفارقة بين الماضي و الحاضر أو للمقارنة بين حال سابقة و أخرى لاحقة تجسد ذلك من خلال شخصية أحميدة وو عوده قبل أن يصبح حاكما، "آه... القطط"، لكن الحال تغيرت سرعان ما أصبح حاكما: "تعلمون ......"54.
و منه فقدت تحققت السخرية من خلال عنصر وصف الشخصيات عندما رصد الكاتب تواتراتها و حالاتها و وجهات نظرها حول بعضها البعض.
و عكس اختصار تواترات الذات في كل المجموعة القصصية من خلال مقطع ورد في (الرسالة) حيث أوجز و ألم فيها الكاتب كل ما تعانيه الشخصية في راهن لم تقبل لم تتقبل إرهاصاته السلبية يوما، يقول الكاتب:
"و عندمانغفر اكثر من طاقة البشر ،فاننا نصنع ممن يستحق الشفقة عملاقا لا نقوى على مواجهته ونحن الذين صنعناه بايدينا. " ص: 28.
و في قوله: "ان تعيش مجنونا بين العقلاء أجد ذلك من أن تعيش عاقلا بين المجانين".
و يشير الكاتب إلى أن كل الشخصيات يربطها قاسم واحد هو الألم في قوله:
"لا العدل ان لم يبل كل واحد حسب قدرة تحمله،وقياس المصائب بوقعها لا بحجمها ،والعدل كل العدل أن عنصر التقاطع بي البشر هو الألم .......أن الألم هو عنصر التقاطع بيننا بداية الأمر؟"ص: 25.
2. السخرية على مستوى الزمن:
تتأرجح شخصيات المج بين زمنين زمن ماضي و هو زمن الطفولة، و الأحلام الجميلة، زمن يصوره الكاتب بزمن السعادة يقول :"و أنا لا أهزأ من احتمال سعادتي فيما سلف"، ص: 44، زمن الموسيقى و الأشياء الحميمية المرتبطة بلحظات و لها و ذكريات لها قيمتها الزمنية في ذاكرة الشخصية "منذ عرفتك أيها الناي .... الأعراس"، ص: 41.
و قد ارتبط الزمن الماضي الجميل بشخصية تصل إليه كشخصية عمي دحمان في قصة عائد من فضاء الرجوع "كنت أدرك ... الزمن"، ص: 38.
و زمن حاضر: الذي بدا جليا من خلال المفارقات الواضحة بين ماض تحن إليه الشخصية و حاضر مأزوم تفرّ منه و تبغضه لدرجة تمني الموت "آه يا جويدة" "كيف يخطئني الموت ببلادة" ص: 27- و الهروب منه بالحلم "... و أن أعيش الخيال و أمقت الواقع..."22.
أو بالنوم: "ياه.... منذ ...... لم ألم .... النوم و لا شيء غير النوم ...." ص: 18.
وهو في نظرها زمن موحش تخافه و تهاب ويلاته :"ماادراني انها شهدت زوال هذه المدينة ،وان عمرها قدامتد منذ حياة اهلها ،وان النباح هو الصوت الوحيد الذي امتد ليخرق صمتهذا الزمن الموحش دون ان يتغير فحواه . "ص: 12.
زمن ذابت قيمته و توقفت مصداقيته "ماذا عساني أفعل بعد أن انتفى تاثير الزمن في العقول ". ص: 54.
و فقدت الأشياء جماليتها و رونقها و ذوقها "بل ولم تزل نكهة الصيف الباردة جارفة الى ابعد حدود الاسترخاء،دون انيكون هنالك معنى للرتابة أو طعم للعبث والبهاء "، ص: 70.
زمن مؤتمن تجد فيه الشخصية نفسها وحيدة في عزلتها تتجرع مرارة قساوة الزمن و الهجر و الغربة "عشت لا أتصور أن يأتي ....." و الخيال: "فضراوة"، ص: 45.
و لأن الشخصية تعيش عدم توافق مع الزمن الحاضر و تأزم راهنة نجدها تهرب منه عن طريق الأحلام من أجل التواصل "لأثبت ....البشر"، ص: 46.
و صبر أغوار الطفولة و دخول عوالمهم مترصدة براءتهم التي تنقل "حجم ....المفاهيم" و تحقق بعض التوازن الذاتي و النفسي و يصف الكاتب هذا الاحتماء بعالم الطفولة بأسلوب ساخر و هداف "هناك ... دموعهم"، ص: 47.
كما تصدت الشخصية لهذا الزمن بممارسة طقوس الكتابة "يكفني أن أكتب ... إياه"، ص: 43.
محاولة بذلك تبديد مآسي الزمن الحاضر من أجل استشراف زمن جميل و لو في الحلم "الحلم بزمن ....المريحة"، ص: 45.
إذن هو صراع بين زمنين ماض تحن إليه الشخصية و حاضر تنفر منه عن طريق الخيال و الأحلام وقد صور الكاتب هذا الصراع بأسلوب ساخر.
على مستوى المكان:
من خلال المج القصصية يصور الكاتب المدينة على أنها بؤرة لامتزاج متناقضات كثيرة، فرغم ما تزخر به من جمال و خيرات إلا أنها عالم ملوث بالغدر و الخيانة و سطوة الأغنياء على الفقراء و تبرز الهوة أكثر و تتسع في علاقة الحكام بباقي طبقات المجتمع، و بعلاقتهم بالمدينة و بعلاقة الطبقة البسيطة بالمدينة "فالحيرة سمة غالبة على السكان البسطاء على مصير مدينتهم، و ربما هم أشد حزنا من أولئك الذين كانوا يقتاتون من موائد الحاشية....."ص: 50، و يواصل الكاتب شرح حميمة هذه العلاقة في قوله: "...إنها سكن.... أجسادهم"، ص: 51.
و يصور لنا الكاتب علاقة طبقة طامعة في الحكم بالمدينة يصور العلاقة من بعد رصده لحالات ثلاث متمثلة في شخصية (أحمد، امحمد، أحميدة)، و يثبت من خلالهم أطماعهم في أهل ركوب الكرسي فقط لأهداف لهم في خدمة المدينة، و لا مصلحة لهم إلا أنفسهم .
يصدر هذا بأسلوب تهكمي ساخر فيقابل بذلك أطماعهم الحقيقة و دواخلهم الشريرة بما يريدون ترسيخه في أرض الواقع فنجد أن حرم أحمد و امحمد من السلطة بانت نواياهما الحقيقية يعبر الكاتب عن ذلك بقوله: "احميدة أصبح خاكما...."، ص: 53.
و ليوضح الكاتب نوايا الحاكم و صورته الحقيقة و الزيف الذي يحيط بمدننا عن ذلك بصورة الحاكم أحميدة الذي ما هو في الحقيقة إلا نموذجا حقيقا لصورة الحكام في الواقع: "تعلمون..." 54.
و يحكم الكاتب في الأخير على مدننا بزوال الخير و استحالة إصلاحها متشائما ساخرا:
"و في ....." ص: 54.
نشير إلى أننا اكتفينا بقصة واحدة (العرش) لرصد صورة المكان في المجموعة القصصية و ضبط السخرية على مستوى المكان فيها .و قد وجدنا الكاتب يرثي الواقع و خيبات المدينة في حكامها و يرصد خيبات الراهن العربي سياسيا و توالي الهزائم تلوى الأخرى.
*على مستوى السرد:
تقدم المج ق: "أنا الممضي أسفله" قراءة جريئة و ساخرة للراهن الجزائري على مستويات عدة، و الكاتب ينوه بسخرية النصوص على غلاف الرواية بتصنيفها على أساس أنها )نصوص و قصص سافرة).
يصور الكاتب من خلالها مفارقات الواقع و ما يجري داخله من تناقضات تعيها الذات البشرية، و تعاني من آثارها بأسلوب هزلي ساخر، و قد استدعى الكاتب أشكالا سردية ..... داخل نصوصه كاستحضار المادة (التذكر)، أو مآسي المحنة (الإرهاب) و ما يصادف الشخصية من أحداث تجعلها تعيش توترا و حيرة و تنبع من الواقع و يصف حالها بسخرية تبعث أحيانا على الضحك .
أ. السرد الاستذكاري: و المرتبط من خلال النصوص القصصية بالطفولة، فالشخصيات تحن إلى طفولتها و تسترجعها لتقيم مفارقة بين زمن جميل قد مضى و زمن موحش تكابد ويلاته يوميا : "قبل .... عناهبه" ص: 29.
ب. استرجاع تستذكر زمن الحب و المحبوب بالكتابة إليه: "...ربما أكتب للذكرى كذلك ...فأنت كنت قبلت بحالي دون تردد، و حسبته... بعض"، ص: 20.
و الهروب من كل الواقع بالأحلام "الحلم.... لنا"، ص: 45.
و النماذج كثيرة نكتفي بهذا القدر لنصل في الأخير أن أسلوب التذكر أعطى لنا صورة شاملة و عامة و ساخرة للراهن و كيف أنه كان مرآه لا تعكس خيبات الذات و انكسارات الأحلام.
ت. محنة الإرهاب:
لجأ الكاتب إلى السخرية كأسلوب لرصد ما يجري و جرى في هذا الواقع و قد كان لظاهرة الإرهاب وقعها الكبير، فعلق الكاتب إلى الوقوف عندها في كثير من المواطن، فالوطن أثقلت كاهله محنة الإرهاب حتى أضحى "كل من فتح عينه .... حدا"، ص: 37.
كما يصور خوف الشخصية منه و بحثها عن ملجئ يحميها شره"... و هدفي .... القوانين" 28.
سخرية اللغة:
تعددت لغة المجموعة القصصية "أنا الممضي أسفله" فالكاتب يخاطب القارئ بلغات تتسم في مجملها بالحكمة و المثل و التراث و نحن نجد أنها مما جعلها نصوصا ساخرة هادفة لترسيخ أفكار و توصيل رسائل متضمنة الحكمة و القول المأثور، فنجد لغة المثقف و العامة لغة الحبي و الخطابات السياسية و العامة في بعض المواقف.
فمن الحكمة تختار قوله: "أن تعيش مجنونا بين العقلاء اجدى....المجانين"، ص: 11.
إن المتأمل لهذا القول المأثور الحكيم بجد أنه ينم عن أشياء كثيرة و معاني جديرة بالغوص في دلالاتها و ما يقرره من سخرية يختار لها الكاتب المقام المناسب.
الأمثال الشعبية:
و منها قوله: "اللي يبدلك بالفول بدلو بقشورو...."14.
التراث: لعل جل قصص الكاتب مستوحاة من التراث و بذلك جاءت اللغة مناسبة بمقتضى الحال إلا أن الكاتب أكسبها حلة جديدة فقصة المطر الأحمر و التي تحكي أحوال مدينة ابتليت بمطر أحمر فكان مآلها الزوال و الاندثار و صار لكل أهلها مجانين... بدا القارئ يلاحظ أن هذه القصة لها جذور عريقة في تراثنا و الكاتب قد استلهم فحواها و أطرها بلغة ساخرة و هادفة و أسلوب جميل.
وجدها أيضا قصة الطوفان المستوحاة من تراثنا العربي القديم و التي تتحدث فيها الشخصيات على لسان الحيوان فيتأثر الخطاب تشع السخرية و تمزج الخطابات في المتن الواحد و هدف الكاتب من ذلك تعرية الواقع السياسي منه و تسليط الضوء على أنظمة الحكم التي تتنافس من أجل المناصب فقط.
ص: 41.
و تتجلى السخرية أكثر عندما يرصد الكاتب حال المعلم في المجتمع الجزائري و العربي بصفة عامة يقول الكاتب:"قد كان ذات يوم
يعلم الأطفال...
إماطة الأذى
عن هذه الدروب والأوحال..
والفرق بين الدائرة والقرص....
وحيز الوجود والموجود
قد كان يذرع المستقبل ...
بشبر طفل بارع...................."
ص 48- 49.
و قول أنا تول فرانس: "أن الذين ينتجون الأشياء الضرورية يفتقدونها ،وهي تكثر عند الذين لا ينتجونها " ، ص 50.
الحب: "لا يجتمع حبان في قلب واحد........."ص: 19، 20.
تركيب:
نصل في الأخير من خلال قراءتنا للمج ق للقول أن:
الكاتب نهج طريقة السخرية من أجل تعرية الواقع و رصد مفارقاته و تناقضاته و اصطداماته بين ماض جميل و حاضر مشوه. و قد لجأ الكاتب إلى السخرية أيضا كوسيلة لحماية نفسه إن صح القول .
فالكاتب قد ضاق من أزمات الواقع المتكررة و من خيباه، فعراه و كشف عن كل خبياته من أجل محاولة التغيير.
و منه كانت نصوصه فضاءً سرديا تجسدت فيه السخرية بصوره جلية و هادفة و فاضحة.
انتهى
 
 



 
