/

مقالات نقدية

أنتولوجيا الابداع

هوامش الإبداع

موت الله.. موت الإنسان ..موت المفكر البطل..أو حينما تصير الفلسفة الغربية، كما نحن " داعش "أيضا.بقلم ضيف محمد الصغير


موت الله.. موت الإنسان ..موت المفكر البطل..أو حينما تصير الفلسفة الغربية، كما نحن " داعش "أيضا.
ـــــــــ  بقلم : الأستاذ ضيف محمد الصغير
الحياة فكرة، الموت فكرة..والفلسفة صنعة. وقد حفظنا منذ عمرنا الصغير أن الحياة جميلة، والأخلاق جميلة، وأن الموت فناء وموحش..
ثم تقدم بنا العمر قليلا، وصار العقل الصغير، مراهقا ولعًا بما هو خروج، وغرائبي. والطفل الصغير فينا يتعرض للتلف وباستمرار. وتلاشت معه لُعَبُه الصغيرة أيضا.
ما عدنا نذكر من طفولتنا سوى، الغريب فيها والمؤلم جدا منها. نذكر كيف كنا نعرض لعبنا إلى الفساد. وكم كنا أبطالا ونحن نمارس عِراكا يوميا،  كالخبز الكاثوليكي، نتقوت منه ليوم المواجهة. وفي زحمة الطفولة المتدفقة، ثمة أسئلة صغيرة، كانت تتشكل. كانت تملأ رؤوسنا الصغيرة. كانت تحرج من نتوجه لهم بفكها من الكبار. خيبة وخيبات..هو مصير تلك الأسئلة. ماكنا نعيها. وماكنا نفهم نَهْرَ الكبار لنا عنها. كما عدنا الآن ما نفهم الذي يحدث بنا. كأنه الزمن يدور، ويعود إلى بدئه. وكذلك يسألني ابني اليوم وأتلكأ في إجابته. الحياة تبدو لعبة دومينو مغلقة؛ الخاسر فيها هو لحظتنا التي لم نعد نعرف كيف نعيشها.
إنه وحي العدمية، الذي فاجأتنا به " الحداثة الغربية ". حيث الإعلان عن حدث " موت الله " أو عن " قتل الله". هكذا كتب نيتشه، وهكذا أعلن عن " جريمته ". ثم هل " قتل الله " جريمة؟. لا أعرف قضية عدلية بهذا الاسم؛ جريمة " قتل الله ".
 انشغلت البشرية أثناء وبعد نيتشه، بمسألة " قتل الله " وصارت قضية الإنسانية كلها. تساوى فيها الشرق مع الغرب. لا أفهم كيف للفكرة  أن امتلكت لها، كل هذا النسب وكل هذا الانتساب؟.
عشنا العدمية وكأنها قضيتنا. وصرنا مشاركين في الجريمة. وبكل فخر وتميز. واستلذينا " القتل " كأنها لعبة ولع بها الصغار وأدمنوا عليها. ومع " موت الله " وبقتله صار العالم  يتحدث عن نهايات. نهاية التاريخ. نهاية الأخلاق. وأعلن تحديدا عن نهاية الميتافيزيقا، وأصبحنا أكثر مادية، وشيئية، وماعاد العالم، عالمان. بل هو عالم الفيزيقا وحده، الذي بقي يحضى بنا ونحضى به. و حملت الميتافيزيقا كل الحروب  وكل الموت التي أصابت الإنسانية، وتحولت إلى مفرخة للقتل وللقتالين. أوهكذا يشرحون لنا أنصار نيتشه. ثم أفتوا بقتل الكل من اجل الجزء. إنها شريعة الدنيا. أو شريعة بلا " الله ". وأن البقاء لا يحضى به إلا الأقوياء. فلامكان للمرضى ولا للمعتلين والفقراء ولا لمن نخرت قواهم شهوة الإستدمار" الغربي ". وكذلك قيل فعل هيتلر. وكذلك تفعل أمريكا، وكذلك قد فعلت القوى الامبريالية بالأمس. الفقراء وحدهم من يموتون. ساعتها أدرك هؤلاء أنهم تعساء، في عالم استأثرت به أمريكا وأشياعها.
لم نعد ندري اللحظة التي نحن فيها، ولا أين نصير. فقط هو الخواء يأكلنا، ينهشنا. ثم مَسْخٌ أتلف وجوهنا التي لم تعد تعرفنا، ولا عمن تدلنا. ثمة عويل كبير وطويل، وثمة قرف. وقيء نتجرعه كلما عدنا إليـ "نا". وثمة أسئلة، بدأت تصنع فينا الخجل والخوف. أسئلة  الوجود الغائب، لماذا غبنا كل هذا الزمان، وكل هذه  الأجيال والأعمار؟. وأدركنا أننا نكرر ذواتا لم تعد بها حياة، حتى مللنا التكرار. فنحن ذوات مكررة، وزمن مكرر. وأجيال مكررة. والمصيبة أننا لا نتقدم بأسئلتنا سوى نحو المزيد إلى الغياب، ومزيد من الكراهية؛ كراهية الحياة  وكراهية الذات وكراهية الجمال...
والمصيبة الأكبر أننا عشنا أسئلة ليست أسئلتنا، وتفاعلنا معها كأنها منا وفينا، ليزداد الغياب فينا عمرا آخر وشوطا أطول.
هل كان علينا أن نعيش لحظة نيتشه، هل كان علينا قتل الإله، أو نشارك الغرب قتل إلههم. وهل اله الغرب هو إلهنا، وهل فلسفة الغرب هي فلسفتنا، وهل هم، نحن؟ لكن المشوار مشى نحو القتل ونحو اغتراب أكثر عن ذاتنا، وانخرطنا في النهايات، - مع أننا توقفنا منذ قرون عديدة، وبطًلْنا من طرح الأسئلة منذ قرون عديدة، حتى صرنا نعجز عن صناعة السؤال-. وأن الزمن الذي فصلنا عن الغرب أيضا قرون عديدة. فلِمَ إذن انخرطنا معهم، أو نحاول محاكاة زمنهم؟.
" موت الإنسان " هو عنوان آخر لجريمة أخرى تقوم بها فلسفة " الغرب"، والحالة ذاتها من المحاكاة والتقليد، نجدها في سَيْرِنا المشوارَ؛ مشوار النهضة. عدمية من شكل ثاني، تلك التي تقول بقتل الإنسان. فليس العالم سوى كومة من اللغة، من العلاقات. نجد أنفسنا في جبرية " المابعد " الحداثة، ليدرك الغر ب أنه قد أخطأ الطريق، وأن العالم ينبغي أن يسير وفق ما تبيحه اللغة. لم يعد الإنسان ضرورة التطور الذي يحصل، لم تعد عواطفه مهمة، ولا روحانياته ذات بال. بل إنها السخرية من الإنسان. فِعْلاً لقد أصبح الإنسان ذلك الحزين. وخيبتنا في هذا العالم أكبر وأدهى وأمر. ياه، عالم ليس فيه اله، وليس فيه الإنسان ! ماذا يمكن أن يكون ياترى؟ هذا ليس سؤالنا نحن، إنا هذا أكبر منا، ولحظة لم نعشها، ولم نصلها. نحن لانزال نشهد التاريخ كومة من الجثث وننتظر أن تبعث فينا الروح كل مرة. نحن لانزال نرى التاريخ لحظة مكررة ويجب أن تتكرر. نحن لانزال نرى في الماضي نهاية الخلاص لأرواحنا. نحن لانزال نتهجد الأسئلة ذاتها، وقد مضى عليها مامضى. أما " موت الإنسان " فهي إشكالية فلسفة " الغرب " والأحجية التي لاحت بها " الحداثة ". لاشك أن الغرب لايعرف الثبات ولاحركيته التطورية تعرف السكينة ولاعقله يعرف الرتابة، وبلا شك أيضا أن الغرب يريد أن يمنح المعنى ويعيشه ككائنات تعرف قانون الحياة والموت. لكن الأسف الأكبر هو أن الغرب أصبح لايعرف التحول إلا من خلال القتل والإعلان عن الموت، بالأمس قتل الله ، ثم الإنسان، وهاهو اليوم يقتل المفكر البطل.
موت المفكر البطل، هو إعلان آخر عن قتل آخر، ولكنه في ذات الوقت إعلان عن ميلاد. إنه إعلان عن موت الفرد، فالعالم لايمكن أن يصيغه فرد بعينه، وبمفرده. وقد أعلن في مقابل ذلك عن ميلاد المجموعة. العالم يصاغ من طرف الجماعة. إنه إعلان عن انتماء جديد للمعنى. فالمعنى هو ذلك الذي ينتمي للمجموعة وليس الذي يتفرد به الفرد. بل إن المعنى ليس يتحقق سوى في المنح الذي تعطيه له الجماعة، أما الفرد فلا معنى يصنعه، وإن صنعه فهو مصاب بالعطب. تلك العلامة المسجلة الجديدة للغرب. وفي الحين الذي يبحث فيه الغرب عن التكتل لصناعة المعنى هانحن نتفتت يوما بعد يوم. مذاهب وطوائف وشيع، والقاسم المشترك بينها هو أن الواحد منها لا ترى في المعنى إلا في غياب أو قتل البقية.
  والسؤال الذي نبقي عليه هو: ترى هل صارت الحكمة، موت؟ أم صارت الحكمة، تصنع الموت؟ ثم ماعلاقة ما تقوم به فلسفة " الغرب "من قتل، بما صرناه في كوننا لا نصلح سوى في " داعش " وقد كنا بالأمس " القاعدة " والهجرة والتكفير، وبوكو حرام، والجيا والميا...؟

 لحظة التيه المرارة: رصدها، ضيف محمد الصغير.