/

مقالات نقدية

أنتولوجيا الابداع

هوامش الإبداع

الوفاء وتجربة الارتواء الحسي في رواية الهجالة للمبدعة بوروينة فتيحة دراسة بقلم الدكتور حمام محمد زهير

الوفاء وتجربة الارتواء الحسي  في رواية الهجالة للمبدعة بوروينة فتيحة...........................دراسة الدكتور حمام محمد زهير
    مدارات الزمن "سالبة للحرية وللسعادة، ولاسيما "مداراته الحزينة"، في قصة "الهجالة" للقاصة  والاعلامية " فتيحة بروينة "الصادرة عن دار  القصبة للنشر ، فيها  اشياء متنية تعود الى واقع مرير  تعيشه" المواطنة" التى تفقد زوجا وحبيبا كان بالدنيا في جمالها وخلوتها ، الا ان الدهر يغيبه فجأة قتنقل" حصاره  الراقد على اهبة"  ما تبقى من حياتها  من  اسوة  نحو الافظل او الاخوط وكلاهما بدون الحبيب  كمثل  "الزبد الرابي،" كانت  هاته القاصة  زوجة  صديق لي تخرج معي في نفس الدفعة ( دفعة الاعلام والاتصال سنة 1988) ايام الجازية والدروايش..وحيزية بن قيطون ،وزاولنا معا  تثاليب الحب وارتوينا من عبق الزمن وكان لنا  البنون والبنات ،ولكن الحصار  المواتي  يفقده ولا اعلم له  سفرا الى الملكوت الا بعد سنوات، عندما  دمعت  عيناي الفتيلة  حزنا واسا على "مراد تيروش"، الفتى المرح  النصوح الاشهب الاشقر..كانا معنا ولم يعد كما كان..في الهجالة ترملت  فتيحة بروينة، كغيرها وليس كشبيهاتها لان مراد  هو من غير تصاوير الزمن في عينيها..حكاية نادرة..وقلب لامثيل له
-         النص والتجربة ومرتاض:
  وقع الدكتور عبدالمالك مرتاض تقريظه لرواية للهجالة "بمعية التجربة" ورسالة حكي واصلت الكاتبة قصتها  بصدق لما حملته من تهميش بعد موات الزوج دون  سابق انذار،  عثلمت معها  الحزن بدرجة  هستيرية قلما  تشاهد في الاعمال  القصصية وهو ما يعبر عن ارتباطها الحزين في التفكيك لبواطن الالم فيها،  فظهرت  لديها  كل" مصطلحات الالم " قاصيها ودانيها باطنها وظاهرها فقد كادت ان  تخاطب الحزن  من خلال  تحويرها للعنوان الذي ولد بعد مخاض  مزركشا بالعلامية الصادمة  وهو الهجالة ، ولها ما عليها  من ترددات عكسية وسلبية تطعن في  وجوديتها  كانثى كاملة  بالمفهوم العامي او سهلة النفاذ لدى الكثير  ، هي تلك العامية في  جوهرها من  خبأ  لها  الناس بواطن  اقل  حرية من  ربطة الحصانة والا  لما فقدت "الهجالة"  زوجا وصارت  في عوالم التهجيل اشبه بانثى ما ضية  بدون اهداف..هكذا يبدو لي من اول نظرة  وقعت عيناي على متن  التخريج وتقريظ " عميد النقد  الدكتور مرتاض"، لكن  بالطول والعرض  طلب منها  ان  لا تتريث او  تحبس بالمفهوم العامي عند هذه التجربة المثيرة في  غمق الجرح بل  دعاها  الى ممارسة السرد لانها  كما  قال " ...قلما  ادبيا رصينا وانيقا وجميلا،" ورغم اني اعرفها  منذ كانت تحترف الكتابة في المساء وبعض المجلات النسوية الا اني رايت في قصها مايجب ان يقص ..
-         كفنه الابيض ورائحة كافوره:
      غلب في استهلالها "التوسيع الاعلامي" لوصف لحظة المرض والموت ، وقد افردت في مقدمتها  وكانها  تكتب على تقنية الهرم المقلوب وصفت  مشهد الموت بعد احضاره كجسد هام  بربطتين واحدة من الراس والاخرى من القدمين  تمهيدا لموراته وصفت حزنها بعد انقطاع الحرس في التخييل  وكانه  العريس  وهي  العروسة  بدون  تزويق او فسيفساء،  ابهرت القارئ بمقدمتها  قبل عنوانها  لتجر في زعمها  بداية جميلة  لوصف ما وقع ،وكانها  ترسم  جنريك  حزين لبداية قصة محزنة ، ركبت  كل ذلك  بذكرها لملفوظات  متفق عليها  (جاءه الموت فجأة بعد  سكتة قلبية مفاجئة ) ص13 تتبدد هنا  كل  الاوات  عقدة الموت  في البداية  ..لا يجعلنا  ذلك  اننا  نقرأ رواية  بل  قصا  في مبدئه حكي على طريقة اعلامي  متعفف ومتغنم بالملفوظ الادبي ، لم يكن الموت الا  ملبوسا في  شكل  سكتة..تتحرك في متون  (القاصة ) ادوات التجمع  الاجتماعي والتكافل  يتحد ابناء الجيرة في  حمله الى المستشفى  وبطريقة الخطف والاسراع  به  الى  المستشفى  لعلهم  يحافظون على اخر نفس ،  ستروي تفاصيل السكتة في  متنها المتأخر  فهي كما اشارت  شرعت في  هرمها المقلوب من موت  بطلها  المغامر يوميا على دنفة الكافور الاحمر  او ما  نسميه بالسيجارة ..قصت معاناتها في خط مستطيل انطلق على  الطريق السيار  ذي الزحمة ثم وصولا الى المستشفى(مصطفى باشا في سياق المكان الطولي تلونت بحزنها الكاشف على مفقودها  الذي اخبرها بموتها  قبل ساعات  لانك ادرك في خم الموت ساعة حدوثها وهي البعيدة عن التصديق لم تشأ ان  تصدق وقد حق لها ذلك  فالرجل لم تينع زهرته الشبابية بعد ،وبالقدر الواسع، فاكبر منه بسنوات  لازالوا يطمعون في المتبقي : كل الاليات التى تصنع الحزن والقلق معا  الزحمة  شغل  طريق الاسعاف..ولا وقت  للابواق فالكل في طريق السيار سيار الى اجله او محنته او غربته  فكلهم معذرون وانا  للميت ان يموت  لانها ضربات  حظ  ، فتوقيت تكدس السيارات على طول الطريق هي مسألة حظ،  بعد الحركة في المكان الطولي تدخل الى الفضاء  ذي الحيز الواسع مستشفى مصطفى باشا حيث  اشعاع الموت  يلاصق مصلحة الحفظ، وضحت حالته قبل الموت وبعده ، لانها مارست فعل الرواية لما راته مبللا  خطفت من لحظات قبل ان  يشخر على سجادته في العشاء الاخير من عمره وكان يسارع الموت  للدخول الى الصلاة، تدخلنت مسعفة بطريقة انقاذ الغرقى  ،لكن  السبابة ادت ما عليها وفاض الوفاض وسارت الروح الى ربها ..ارتعبت كمثيلاتها وتذكرت  موت  الحبيب المصطفى  سيد الخلق..
-         ترحيل الملفوظات واسقاط الحزن..
   وصفت في سياقها الاخير وهي ترى اليه بعين الصارخة، لعلها تعيد بصراخاتها الحياة اليه ، لقد رسمته مشهدا مؤثرا  بكلامها عنه  الخارج من  عمق صدرها،  لقد استعارت  كل الفاظ الحزن  لكي لا تواسيها  بل  لتزيدها حزنا وكانها  حفرت عليها سابقا ، بكل الاوصاق(حملوه فوق احدى ناقلات ثلاجة الموتى..مثله وضعت قلبي ..)ص18 وزادت من نترات الحزن عندما استوت مع ابنتها تنظران الى الفقيد بغرض الشبع(كنت انا وقرة عينيك نتحايل على الموت الذي اخذك فجأة..لنشبع منك...( ص18)..وواصلت في تقريرها الرواي كيف تم تشيعه  رابطة كل حركة فيها  بجثمانه المسجى( كنت ابحث كيف اجفف دموع اطفاله الحارقة..وهم يرون تلك القطعة منا..من بيتنا من روحنا  من حبنا...من عمرنا تفلت منبين ايدينا ..(ص20)
    اطلقت القاصة بجموع كثيرة من الالفاظ لخلق الحزن وتوصيفه ببعض الاحيان لانه المفجوع لديه لا يمكن ان يضاهيه احد في  الحزن تصورت نفسها وهي الصغيرة الشابة في مسؤولية رجل ترك لها فلذات كبد لايرون الا هي والى  ظله الماكث فيهم دوما، في هذه الحالة حق لها ان ترتشف من  تراجيديا  المأساة  لانها  كظيمة  بجميع الصور فمثيلاتها  لازلن  ينعمن  بدفئ  رجل  يقتات من النهار  ليولد  لهم  زرعا  وسعادة  ، وعندما توقفت  سيجارة  مراد توقف الزمن  معها، ان هذا الحزن  هو  حزن  دائم ومتعدد  لان المرض الذي اصابها  لم يدع  شيئا  اخرا  تفكر فيه  سوى  كيف تتعود على  فراق  مراد ..

الصحفية المبدعة بوروينة فتيحة تمتلك مواصفات الكتابة الجادة، ولها جمالية محسوسة في طريقة السرد،يحس المتذوق لفنيتها انها تكتب من عمق الاعماق..