/

مقالات نقدية

أنتولوجيا الابداع

هوامش الإبداع

البنية الزمنيةفي قصة قبل الرحيل للقاصة راقية بقعة بقلم إسماعيل دراجي

البنية الزمنية في قصة "قبل الرحيل " للقاصة راقية بقعة
بقلم إسماعيل دراجي
الاستهلال:
تستهل القاصة نصها بتلك الدقة الزمنية " تحين الساعة العشرون " (1) ففيها من الدقة ما ينبئ بمحطات قادمة في القصة تتمفصل عبر الزمن ولا عجب في ذلك فالعنوان يحمل هو الآخر تلك الدلالة الزمنية.
وهو استهلال مغلق عبر دارة زمنية لتلج رويدا وتكشف في بطء مؤلم عن محطات نفسية مما يعني أن هذا الاستهلال (حالة نفسية )عميقة " وتحت وقع حوافر عقاربها ألملم أحزاني وأرحل"(2) هذه العبارة ذات الإضافات المتتالية يوحي باتكاءات واعتمادات لا متناهية وحالة من الحزن والأسى عميقة ليتأكد دلك الزحم المفرداتي الذي يليها "أسحق أشلاء الموتى...نسيت طعم الضحك ..." (3) .
لقد أُسندت أُفعال  ذلك الاستهلال إلى ضمير المتكلم ضمير الأُنا يحمل تلك الخصوصية في نوع من الحرية والتوصيف الذاتي،وحضور الماضي والمضارع  الدال على الماضي ( كنت أنوي،أن أسحق وأنزع ...تذكرتُ،سجلتُ،غادرت...
البنية الزمنية:
الزمن مهم  في حياتنا ذلك لان كل أعمالنا يحتويها زمن غير أننا إمام الزمن الأدبي.
 فهو حيز كلّ فعل، ومجال كلّ تغيّر وحركة، وهو بالنسبة للإبداع الأدبي عامة والقصصي خاصة، تحضير للجو النفسي والاجتماعي والتاريخي والأيديولوجي(4)
إن كل قصة تتأطر ـ كونها أحداثا متوالية وفق نظام معين ـ بعنصرين هامين جدا هما الزمان هنا وهناك، فإن الزمان يحمل سيرورة خطية متنامية ذات  اتجاه واحد فهو غير قابل للارتداد "...وقد جعل الشكلانيون تغير الزمن الجانب الوحيد الذي يميز الخطاب عن الخبر" (5)
إن  "جل النقاد، يعتقدون بوجود ضربين أو بنيتين زمنيتين متصاحبتين لأي نص سردي هما: البنية الزمنية الخارجية، البنية الزمنية الداخلية، وقد تفرع عنهما: زمن
  الكاتب، زمن القارئ، الزمن التاريخي، هذا بالنسبة للأول، أما الثاني فله هو
الآخر ثلاثة أزمنة وهي زمن القصة، زمن الكتابة، زمن القراءة"(6)
وهنا قد يتطلب ـ أحيانا كثيرة ـ عدم الخضوع لتلك السيرورة الزمنية الخطية ذات الاتجاه الواحد بل قد يؤَخر ما قد يكون مكانه التقديم أو العكس " ليس من الضروري ـ من وجهة البنائية ـ أن تطابق تتابع الأحداث في رواية ما أو في قصه مع الترتيب الطبيعي لأحداثها ـ كما يُفترض أنها جرت بالفعل ـ فحتى بالنسبة للروايات التي تحترم هذا الترتيب،فإن الوقائع  التي تحدث في زمن واحد لا بد أن تُرتب غي البناء الروائي تتابعا لأن طبيعة الكتابة تفرض ذلك " (7)  
"زمن القصة يخضع بالضرورة للتتابع المنطقي للأحداث بينما لا يتقيد زمن السرد بهذا التتابع المنطقي " (8)
فإذا كانت الوقائع في زمن القصة على الترتيب التالي: ا ـــــــــــ ب ـــــــ ج
فإن زمن السرد يأتي على الشكل التالي: ا ــــــــــ جـ ــــــــ بـ
وهذا ما نسميه مفارقة زمن  السرد مع زمن القصة"(9)
مما سبق يتمفصل  المتن الحكائي على تلك المفارقات الزمنية فإدا ما أردنا أن نقابل تلك التمقصللات الزمنية مع الأحداث كما  يتفق ان تكون قد وقعت فهنا تتجلى تلك  المفارقات وتبدو لنا تلك الكيفية التي بها تم زمن الحكاية  وهذا الأمر يتسنى لنا بمعاينة ما يعرف بالسوابق واللواحق وبيان وظيفتها
اللواحق وتعرف اللاحقة بأنها "كل عملية سردية تتمثل في إيراد حدث سابق للنقطة الزمنية التي بلغها السرد"
كل لاحقة لها مدى و اتساع
المدى :( المسافة الزمنية ) الفاصلة بين اللحظة التي وصلها السرد و النقطة التي عادت إليها اللاحقة .
العمق ( الاتساع ) : الفترة الزمنية التي تغطيها هذه اللاحقة .
لواحق خارجية تتعين نقطة المدى فيها خارج الحقل الزمني  للقصة فلا تتداخل مع القصة الأولى .
لواحق داخلية : زمنها هو زمن القصة. لو أردنا أن نلحظ هذا المر على النص لقلنا أن الراوي كان يمارس ذلك" التلاعب بالنظام الزمني"(10)
" قبل آلاف السنين كنت أنوي " فرغم مجازية العبارة لكن فيها استذكار " وبعد أن ضاعت مني السنوات تذكرت أني سجلتُ رسالة وداع منذ نسيت طعم الضحك ولون الحياة" (11)
هذه اللواحق جاءت لتسد ثغرات في المتن أو للتذكير بأحداث سبقت
السوابق وهي عملية سردية تتمثل في إيراد حدث آت أو الإشارة إليه وهي سبق الأحداث،وهي الأخرى فيها ما هو داخلي وما هو خارجي "سيرأف البعض لحالي وسيقولون لم تطق صبرا"  (12) "الحل هو هذا السم القاتل الذي سيغوص في أحشائي  ويمزقها،سأشعر حينها بالآلام وربما بالندم،لكن سأرتاح مؤقتا من أوجاع السنين"(13) "إذن ساخط الآن بعض العبارات...سأخبره...وسأتحرر من كل القيود...سأمزق خيوط العنكبوت...سأعترف بكل التفاهات ..." (14)
هذه السوابق تلعب دور سد الثغرات مسبفا في السرد وأيضا  دور الإنباء المستقبلي خصوصا بحرف السين الذي يسبق الفعل المضارع من مثل:سأخبره...وسأتحرر ...سأمزق ...سأعترف...
الاستغراق الزمني:
أو المدة Laduree  و" يتعلق في الواقع بالتفاوت النسبي ـ الذي يصعب قياسه ـ بين زمن القصة وزمن السرد ...لا عبرة بزمن القراءة في تحديد الاستغراق الزمني"(15) 
ولصعوبة الأمر "يقترح جيرار جنيت  أن يُدرس الإيقاع الزمني  من خلال التقنيات التالية الخلاصة/الاستراحة/القطع/المشهد"(16)
الخلاصة:
عدم  ذكر التفاصيل ودقائق الأمور بل الاختصار لما وقع خلال سنين أو أشهر أو ساعات طويلة في أسطر وعبارات قليلة فهي إعطاء الملخص الوجيز لأحداثها "سرد أحداث ووقائع يُفترض أنها جرت  في سنوات أو أشهر أو ساعات في صفحات أو أسطر أو كلمات "(17)
" حين دخلت عليه لم يترك كلمة تقال في التأنيب والعتاب إلا وقالها...شرحت له تصوري "(18)
كلام التأنيب والعتاب  من طبيب إلى مريضته لابد أنه يستغرق وقتا طويلا وكذلك شرح المريضة تصورها له مما يعني طوال مدة الحديث والنقاش بينهما خصوصا وأن المرص غير عادي من خلال الأعراض ويشغل الأمر حيزا زمنيا غير قصير لكن في القصة كان مختصرا أو ما يُصطلح عليه بالخلاصة أو المجمل.
(سأتجرع أول قطرات الموت ....لقد أتيت الآن على نهاية القارورة..سقطت زجاجة السم )(19)
هذه الوقائع لابد أنها تأخذ أكثر مما كانت الكلمات القليلة قد عبرت عنه
الإضمار: و  يسمى الحذف وكذا القطع و هو الجزء المسقط من الحكاية أي ما سقط من  القصة  في زمن الحكاية.
و قد يصرح به :مرت أيام ، مضت سنوات (محدد) ، انقضى وقت طويل  (غير محدد).
يلتجئ الروائيون التقليديون في كثير من الأحيان إلى تجاوز بعض المراحل دون الإشارة بشيء إليها ويُكتفى بالقول عادة مثلا: "مررت سنتان" أو "انقضى زمن طويل..." (20)
و قد يكون الإضمار ضمنيا غير مصرح به و يدرك ذالك القارئ و هنا النوع يطغي  على السرد الحديث  لمقارنة الأحداث  بقرائن الحكي، والحذف يحقق  مظهر السرعة إذ يتجاوز التفاصيل ويقفز من مرحلة على أخرى مع ضمان وجود قرينة لفهم ذلك أو يكون مُصرحا به كما نجده عند التقليديين .
"لكني انتظرت عدة أيام ولم أهتمم كثيرا لمرض لازمني طويلا"  (21)
"وبعد دقائق ليست بالكثيرة اخبرني أن الحياة ستطردني من قاموسها " (22)
المشهد: هو تلك المقاطع الحوارية التي تتخلل السرد والمشهد لحظة تكاد يتطابق فيها زمن القصة بزمن الحكي زق=زح مع الاخذ في حسابنا بطء  أوسرعه هذا الحوار في الواقع و أيضا ما يتخلله من صمت أو تكرار كبعض أجزاء  الحوار.
نماذج: "هل لي أن أعرف منذ وآلام الرأس تصاحبك؟
فأجبته أنها منذ أشهر قليلة...  قال:ولكن أعهدك منذ زمن ولم تخبريني عن ذلك يا سسندس " (23)   


الوقفة وتسمى  الاستراحة أيضا وفي الوقف تنقطع السيرورة الزمنية بسبب لجوء الراوي إلى الوصف " إن الراوي عندما يشرع في الوصف يعلق بصفة وقتية تسلسل أحداث الحكاية أو يرى من الصالح قبل الشروع في سرد ما يحصل للشخصيات توفير معلومات عن الإطار الذي ستدور فيه الأحداث "(24)
تهدف الوقفة إلى كشف أهمية ما يجري في الصمت.
"ها انا الآن أنتظر طيفا ...أنتظره كما الذي يرسل أملا في الأوهام أو كمن غشاه زيف السراب فراح يطارده ربما يلقاه حقا ولا أملك إلا أن أتمنى... "  (25)
"عندما أمسكت زجاجة السم شعرت برُهاب قاتل أحسست أن هذا مجرد حلم "(26)
التواتر Le fréquence: وهو التكرار
يحدد جينيت التواتر السردي بأنه علاقات التكرار بين الحكاية والقصة(27)
يهدف التواتر إلى محاولة كشف إمكانيات هذا العنصر الجمالي وكيفية توزيعه داخل النص السردي .
أنواعه:
أـ المحكي الإفرادي (المفرد) : وهو ما يقص مرة واحدة حدثا وقع مرة واحدة وهو الأكثر شيوعا ذلك لأن السرد في عمومه لا يذكر ما وقع مرة واحدة أكثر  من مرة لأنه قد يفي  بالغرض
في نومي ناداني... نهضت على إثر الصوت  المقدس لدي(28)
دخل الطبيب ليطمئن  على  سندس وبشائر الفرح بادية على محياه"(29)
 ب- المحكي الإكراري(التكراري) : وهو ما يقص مرات عديدة حدثا وقع مرة واحدة.
ها أننا أنتظر طيفا  غادرنيي ...وأرقبهه غله يأتي الآن ...أنتظره كما  الذي يرسل أملا في الأوهام (30)
الحل الوحيد هو هذا السم الفتاك(31).
أمسكت زجاجة السم شعرت برهاب قاتل(32) .
ولهذا اقتنيت زجاجة السم شديدة الفعالية(33) .
 سقطت زجاجة السم(34).
 تسقط أمام طفلة حائرة (35) .
جـ- المحكي الإعادي(المؤلف): وهو ما يقص مرة واحدة حدثا وقع مرات عديدة. (36)
الأقدام كانت تدوس حديقتي في كل مرة...لتتركني محطمة مرة أخرى (37)
كنت دائما منشغلة بالتخطيط لحياتك...اشتد بي المرض وازداد الصداع  قوة ، ذهبت إلى الطبيب فأجرى لي التحاليل وطلب مني أن أعاود زيارته ... لم اهتم كثيرا بمرض لازمني طويلا(38)

ـــــــــــــــ 
الهوامش
1/2/3/ قبل الرحيل ص11
4/ طالب أحمد.مفهوم الزمان ودلالته في الفلسفة والأدب-بين النظريّة والتطبيق-دار الغرب.2004.ص9 
5/ محمد القاضي/تحليل البنية السردية بين النظرية والتطبيق/دار الجنوب للنشر/تونس/1997 ص:46
(6) ينظر: سعيد يقطن: تحليل الخطاب الروائي (الزمن، السرد، التبئير)، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، 1989، ص 79.

7/ حميد الحمداني /بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي ط3/المركز الثقاقي العربي للنشر والتوزيع/الدار البيضاء ط3 /2000
8/ المرحع نفسه ص:73
9/االمرجع نفسه ص:74
  10/ حميد الحمداني /بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي/ المركز الثقاقي العربي للنشر والتوزيع/الدار البيضاء ط3 ص74
11/ فبل الرحيل ص 11
12/ المرجع نفسه ص 11
13/ المرجع نفسه ص12
14/ نفسه  ص 12
15/ حميد الحمداني /بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي/ المركز الثقاقي العربي للنشر والتوزيع/الدار البيضاء ط3 ص75/  76 .   
                16/ المرجع نفسه ص76
17/ المرجع نفسه ص 76 .
18/ قبل الرحيل نفسه ص14
19/ نفسه ص 17
20/ حميد الحمداني /بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي/ المركز الثقاقي العربي للنشر والتوزيع/الدار البيضاء ط3 ص77.
21/ فبل الرحييل ص 13 .
22/ نفسه ص 14 .
23/ نفسه ض 14.


24/ جميل شاكر وسمير المرزوقي/ مدخل الى نظرية القصة/ديوان المطبوعات الجامعية دار التونسية للنشر 1985/ص 80
25/ قبل الرحيل ص 11
26/ نفسه ص 12
27/جينيت، جيرار ، خطاب الحكاية (بحث في المنهج)، ترجمة: محمد معتصم، عبد الجليل الأزدي، عمر حّلي، منشورات المجلس الأعلى للثقافة الدار البيضاء، ط 2 2000 ص129
28/29/30/31/32/33/34/35/36/37  قبل الرحيل ص13 الى ص18
39/ برنار فاليط ، النص الروائي ، تقنيات ومناهج ، ت ، رشيد بن حدو ، المجلس الأعلى للثقافة ، طبع بالهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية 1999 ص : 113 ، 114